يوم 9 أفريل 1938 هو يوم الزيتونيين بامتياز في مواجهة الاحتلال الفرنسي
إذا كان لشريحة اجتماعية لها الفضل ـ في فترة الاحتلال ـ في تحريك الشارع التونسي احتجاجا على المحتلّ وإرباكا لنظامه بالاحتجاجات والمظاهرات، والدخول معه في مواجهات سالت بها دماء التونسيين، فذلك لشريحة الزيتونيين، طلبة جامع الزيتونة الأعظم وفروعه، الذين بذلوا أرواحهم رخيصة في سبيل الله؛ دفاعا عن الدين وعن الوطن، بغضّ النظر عن السياسيين الذين وظفوهم ليرقوا على نضالاتهم، ومن ثمّ ينسب إليهم الجهاد والنصر وإخراج المحتلّ.
ولعلّ المجزرة التي حلّت بطلبة جامع الزيتونة يوم 9 أفريل تظلّ شاهدا تاريخيا، لا يمحى من ذهن التونسيين الوطنيين النزهاء، على أنّ هذا الجامع العظيم كان قلعة النظال والجهاد في مواجهة الاحتلال الفرنسي ومؤامراته ضدّ الشعب التونسي وهوّيته.
وسياق هذه المجزرة انطلق بسبب منع المحتلّ الفرنسي الأستاذ علي البلهوان من إلقاء محاضرة بقاعة السينما “فاريتي” يوم 12 مارس 1938، وإقصائه عن العمل. وعلى إثر ذلك قامت تحركات طلابية مشتركة بين الزيتونيين والصادقيين وبعض المدارس الثانوية احتجاجا على تصرفات سلطات المحتل تجاه علي بلهوان. في الوقت الذي يذكر المؤرخون أنّ حزب بورقيبة الجديد لم يقرّر أي تحرّك لفائدة علي بلهوان، بل إنّ أنصار هذا الحزب كانوا يعملون على تثبيط تحركات طلبة جامع الزيتونة ومدارس الثانوية ونجحوا في إفشال الاضراب المقرّر للطلبة ليوم واحد. ثمّ تتالت الاحتجاجات وتطورت إلى غاية يوم الجمعة 8 أفريل للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين الذين كانوا يؤجّجون الحماس للضغط على المحتل بذلك.
وفي اليوم الموالي أي يوم 9 أفريل، وعلى إثر ما بلغ الزيتونيين من دعوة علي البلهوان للحضور لدى حاكم التحقيق عند الساعة الثالثة ظهرا، قاموا بإذاعة الخبر، وسارعوا إلى الحضور بقصر العدالة في الموعد المحدّد، وكانوا هم يمثلون أغلبية الجماهير التي توافدت واحتلت الأنهج وأصرّت على منع نقل البلهوان إلى السجن أو الدخول معه. ويذكر أنّ خبر احتجاز علي البلهوان بعد استدعائه من قبل حاكم التحقيق قد ورد على الطلبة الزيتونيين وهم بصدد الدراسة، بجامع الزيتونة والجامع اليوسفي والحفصي، فانطلقت في الحين مظاهرة منها باتجاه المحكمة، وكانوا حوالي ألفي طالب. ومما أورده مدير الأمن العمومي بتونس في تقريره بتاريخ 12 أفريل أنّ طلبة جامع الزيتونة هم الذين رافقوا علي البلهوان إلى قصر العدالة، وهم الذين حرّضوا على أعمال التمرّد وعلى تنظيم المظاهرات الأكثر عدوانية ضدّ المحتلّ. وطبيعة الاحتلال أنّها تواجه نضالات الشعوب بالتعسف، لذلك تعاملت مع المحتجين بالعنف المسلح، وحدثت بين الجانبين مصادمات عنيفة لمدّة تزيد عن الثلاث ساعات، أسفرت عن مقتلة تاريخية كبرى، انجر عنها سقوط شهداء من طلبة الزيتونة بلغوا حسب الشيخ محمد الفاضل ابن عاشور نحو مائة شهيد (الحركة الأدبية والفكرية بتونس:198). وهذا إضافة للجرحى المختلف في تعدادهم.
وحسب المؤرخ المدقّق الدكتور علي الزيدي الذي لخصنا من كتابه (الزيتونيون ودورهم في الحركة الوطنية) هذا المقال، أنّ مظاهرة يوم 9 أفريل وما رافقها من حوادث لم تكن من تنظيم الحزب الجديد، بل قد تبرّأ منها صراحة.
إنّ هذه الحادثة، والتي ما زال الشعب التونسي يحيي ذكراها دون أن يعرف أبطالها، تفرض علينا أن نعيد قراءة تاريخنا وأن ننصف من سُلّط عليهم الظلم أحياء بقتلهم في معركة التحرير، وأمواتا بطمس أخبارهم وتهوين شأنهم، واختطاف نضالاتهم والركوب عليها، وأعني بهم الزيتونيين.
بقلم الشيخ الحبيب بن طاهر