حركة الشّباب التُّونسي
علي بوشوشة
(1917-1859)
الصحافي والمُزارع[1]
لقد كان الرجل معتدل القامة، وكانت مشيته المتباطئة والمتصنّعة شبيهة بمشية الرجال الأشدّاء الواثقين بأنفسهم. وكانت نظرته الساخرة والثاقبة مختفية وراء حجاجين بارزين قليلاً، يظلّلهما حاجبان مشعّثان يخفّفان مِن حدة تلك النظرة وصبغتها الثاقبة. وكانت تَعلُو محيّاه ابتسامة وديعة، تحجبها شوارب مشعثة ومتدليّة، فتلطّف ممّا يبدو على وجهه مِن غلظة وعبوس.
وهو ينحدر مِن عائلة ماجدة مِن بنزرت، مُتصاهرة مع عائلة ابن الشيخ وغيرها مِن العائلات الوجيهة بتلك المقاطعة البحريّة، كانت هاجرت إليها مِن مدينة جيجل الجزائريّة منذ عدة أحقاب.
وسيترك ذلك النسب أثرًا دائمًا في حياة مترجمنا إلى النهاية. إذ مِن المعلوم أنّ تلك المدينة مِن مدن السّاحل الجزائري قد كانت منذ أمدٍ بعيد الملجأ المُفضّل لِمُختلفِ الطّوائف القادمة مِن جميع الجهات، ولا سيّما مِن الأندلس وغيرها مِن المناطِق الجنوبيّة المُطِلّة على البحر الأبيض المتوسِّط. كما أنّ ذلك الخليط مِن مُختلفِ الأجناس المُتباينَة، المُناهض بعضها البعض، قد تَوَلَّد عنه في آخر الأمرِ شعب مِن صنفٍ خاصٍّ، ما زالت لُغَته وعاداته وطبائعه إلى يومنا هذا تَنُمّ عمّا يتّسم به مِن أصالةٍ لا يُمكنُ إنكارها.
فلا غرابة حينئذ إذا ما أثّر ذلك الأصل شيئًا ما في مزاج وسلوك الطفل المَوْلُود في ذلك الوَسَطِ، ولا غرابة إذا ما أَضْفَــى ذلك الانتساب على تصرّفات علي بوشوشة وتفكيره طابعًا خاصًّا كثيرًا ما استرعى انتباه أصدقائه.
ولقد بثّ أبَوَاهُ المُزارِعان في نفسه منذ نُعومة أَظْفاره حبّ الأرض والأشغال الفلاحيّة الشاقَّة والمُنعشة في نفس الوقت. فلَم يَمْضِ وقت طويل حتّى أظْهَرَ الطفل المَوْهُوب استعدادات فِطريّة مبكّرة لنوعٍ مٍن العمل، قد يَراهُ غيره مِن الأطفالِ الذينَ هُم في سِنّهِ ومن وسطه، مهينًا أو على الأقل مضنيًا، لأنّهم لم يَتَعَوَّدُوا مثله على تلك الحياة القاسية والحرّة.
ولكن الشاب علــي لم يَكُن يَرَى ذلك الرَّأْي، إذْ كان يَستَمِدُّ كل يوم مِن تلك الحياة، الصَّلابَة والمُثابَرَة ويَكتَشِفُ فيها، بشيءٍ مِن الغُمُوضِ، الظُّروف المُواتِية لتَتَّفِقَ طبائِعه التي تَأْبَـــى الضغوط والتَّحَدِّيَات العديدة المفروضَة عادَةً في كل مجتمع مُتَحضّر. إلاّ أنّ أَبَوَيْه لم يَكُونَا مُتَّفِقَيْنِ معه حول مَيْلَهُ للحياةِ الرِّيفِيّة وتَطَلّعه الطبيعي للاستقلال، بل كَانَا يَعْتَبران أنّ ساعة المدرسة قد دقَّت وأنّ الوقتَ قد حَانَ لإبعادِه عن جولاته المُطَوَّلة عبر الحقول. فأرسَلاهُ إلى الكُتَّابِ ثمَّ إلى الجامع وأخيرًا إلى المعهد الصَّادِقِي عند افتتاحه. ولقد أَثَارَ التلميذ مِن أوّل وَهْلَةٍ إعجاب أساتذته وأقرانه بما امتاز به مِن اجتهادٍ في العمل ورُوح انضباط وقُدْرَةٍ فائقةٍ على استِيعَابِ مُختلفِ الموادِّ التي كانت تُدَرَّسُ آنذاك.
وقد أَظْهرَ نفس الاندفاع لدراسة اللُّغات الثّلاث العربيّة والفرنسيّة والتركيّة. ويقال إنّه حِرْصًا منه على التفوُّق على رفقائه المُتقدِّمين عليه في اللغة الفرنسيّة، بَذَلَ كُلّ ما في وسعه لاستظهار القاموس الفرنسي خفية، على ضوء السراج اللَّيْلِي الذي كان يُلْقِي أنواره الخافِتَة على أرجاءِ بيتِ النوم، وقد كان يأوِي عشرين تلميذًا من التّلامذة الداخليِّين، كان هو أحدهم.
وكان لا بُدّ لهذا الاندفاع أنْ يُؤْتِي أُكله في أسرعِ وقتٍ. إذْ تَمَّ تَعْيِين علـي بوشُوشَة مِن بين التلامذة الأوّلين الذين اختارتهم السلطة العُليَا لإتمام دراستهم بأروبا فغادر بلاده مُتوَجِّهًا إلى انجلترا، حيث قضَّى بها ثلاث سنوات للتدرّب على لغة شكسبير وسبر أغْوَارِها.
وعندما رجع إلى تونس سنة 1881 مع رُفقائه التابِعين للبعثات الأخرى المُوجّهة للخارجِ، دُعِيَ بِصُورة مُلِحّة إلى تَوَلِّي إحدَى الخُطَطِ التي كان مِن المُمْكِن أنْ يَتهافَت عليها عددٌ كبيرٌ مِن زُملائِه المُستدعِين إلى تُونس، إلا ما قَلّ ونَدَرَ. ولكنّ علي بوشوشة المُتّسم بالأنَفَةِ والشُّمُوخِ، والمُعارِضِ لكلِّ ضَغطٍ مَهْمَا كان مَأْتَاهُ، قد فضَّلَ الحِفاظَ على حرِّيَّته الكاملة، وتَوَجّه مِن بين مُختلف المِهَنِ المفتوحة في وجهه، إلى الزِّراعة التي أظهر مُنذ أمدٍ بعيدٍ مَيْلاً مَلْحُوظًا نَحوَها ونحو الصحافة التي سَتُوفّر له الأداة المُثْلَى لخدمةِ بلاده، وذلك بتعويد مواطنِيه على النّظر في كلّ ما أثاره تَغْيِير النظام ببلادهم، مِن مشاكل عَويصَة.
وبِنَاءً على ذلك فقد أَسَّسَ سنة 1888 جريدة “الحَاضِرَة”، بالتعاون مَعَ ثُلّةٍ مِن الشُّبَّانِ المُثقَّفِين المُتحمِّسِين للمُساهمةِ إلى جانِبهِ في العملِ الرَّامِي إلى النُّهوضِ بوطنِهم. ولقد تولَّت الجريدة في آنٍ واحد الخَوْضَ في جميع مواضيع الساعة وفتح أَعْمِدتها للنُّخبة التونسيّة الناطقة بالعربيّة، لِــبَسْطِ أفكارها بِلُغتها الوطنيّة، حَوْلَ جميع المسائل التي لها علاقة بالحياة الاجتماعيّة والثقافيّة والأخلاقيّة بالبلاد: كالسِّياسة الخارجيّة والاستعمار الزراعي والأراضي الاشتراكيّة والمراعي والتعليم وإعادة تنظيم وتوزيع الضرائب والإصلاح العدلي والإداري والأوقاف وأملاك الدَّوْلة والصناعات التقليديّة والمُنافسة الأجنبيّة وتحسين وضعيّة الفلاَّحين وإغاثة الطبقات المحرومة والعمران البشري والصحة العمومية إلخ…
تلك هي أهمُّ المواضيع التي كانت تُعالجها جريدة “الحَاضِرَة” وتجدُ المُحرّرين المُطَّلِعين والمتطوّعين لدراستها واقتراح الحلول المناسبة لها، وقد كانوا يتمتَّعُون بحماسٍ لا تُضاهِيهِ إلاّ مَوْضُوعِيَّتهم التي لا جِدالَ فيها.
ومِن بين جميع أولئك المحرّرين اللاَّمِعين والقليلي العدد، سوف نقتصرُ على ذكرِ الذين لَبُّوا مِن أَوّل وهلة دعوة مُؤسِّس الجريدة أمثال محمّد بن الخوجة وعلي الورداني ومحمّد الحشايشي ومحمّد الأصرم وحجّوج ومحمّد الجنّادي وعمر بو حاجب، وعلى وَجْهِ الخُصوصِ البشير صفر الذي كان لِفُصُوله المُتعلّقة بمطامِع بعض الدُّولِ العُظْمَى في إفريقيا[2] وآسيا، الصَّدَى البَعِيد. وقد تَسبَّبَتْ لمُحرّرها المُتَوَلِّي آنذاك خطة رئيس جمعيّة الأوقاف، في إقصائه مِن تُونس وتعْيِينه وَالِــيًا بِسوسة، وذلك مِن أجل مواقفه الشُّجاعة.
على أنّ جميع الضُّغوط المُتعدّدة المُسَلّطة على الصحافة العربيّة عَصرَئِذ وجميع العراقيل المُتنوّعة التي أثَارَتْهَا السُّلطة للحدِّ مِن تَطَوّرِها، لم تَنَلْ مِن عزيمة علي بوشوشة، إذ اسْتَطاعَ أن يَضمنَ استمرَارَ صُدور جريدته بدون أيِّ اضطرابٍ، وسَمَحَ لِمساعِدِيه الأَوْفياء بمواصلة عملهم التَّثقِيفِي النَّزِيه والحصول على رِضَى كَافَّةِ الفئات المُستَنِيرة بالبلاد.
وفي الأثناء تَأسَّست الجمعيّة الخلدُونيّة سنة 1896، فكانَ علي بوشوشة مِن أَنْشَط مسيّريها وأشَدّهم مُثابرة، بالرغم مِن مشاغِلِه الشخصيَّة وما يتحمَّله مِن مسؤوليّة، بوَصْفِه مُدير جريدة “الحَاضِرة”.
وبفضلِ آرائِهِ السَّديدَة والحَكِيمَةِ وما امتَازَ به مِن اعتدالٍ وخبرةٍ واسعة بشُؤُون البلاد، استطاع أن يَحتَلَّ مكانةً مرمُوقَة ضِمنَ الهيئة المُديرة للجمعيّة وإن ذلك ليُفسّر ما كان يَتمتَّع به من حُظْوَةٍ لدَى الناخِبِين الذين جَدَّدُوا له مُهمّة تَمثِيلهم في تلك الهيئة، طِوال عدّة سنوات مُتَتَالِية.
وقَبْل ذلك تَحوّلَ إلى مدينةِ اسطنبول لغرض الزّواج، ثُمَّ عادَ منها إلى تونس مَرْفُوقًا بأمِّ أطفالِه الأوّلين ومُتَزَوِّدًا بمجموعةٍ مِن الوثائقٍ وبنصيبٍ مِن الذِّكريَاتِ. وبعد ذلك ببضْعِ سنواتٍ فقدَ رفيقةَ حياتِه الأُولَى، فتوجّه إلى اسطنبول للتزوج مِن جديدٍ واستغَلَّ تلك الفرصة لِلِاطِّلاعِ حسب مشيئَته على آثارِ الدَّوْلة العُثمانيّة الخالدة.
وإثْرَ عودَته إلى أرضِ الوطَنِ استأْنَفَ نشاطه على الفور وأعطَى دفعًا جديدًا وحاسِمًا لجريدتِه التي لم تَزَلْ قائمةَ الذات مُستأثرة باهْتِمامِ القُرَّاء، وذلك بتعزيز هيئة التحرير القديمة بنُخبة مِن المحرّرين الشُّبَّان الذين حقَّقُوا للجريدة إشْعَاعًا مُطّردًا وأثْرَوْهًا بكتاباتِهم البلِيغَة.
ولقد أَسْهَمَ في هذا العمل التجديدي عدد كبير مِن مدرّسي جامع الزيتونة المتطوّرين وبعض المثقَّفين مِن ذوِي العصري أمثال، حَسن حُسني عبد الوهّاب وعبد الجليل الزاوش وأحمد الغطاس، وقد رجع هذان الأخيران منذ مُدّة قليلة مِن فرنسا مُتحصّلين على الإجازة في الحقوق. كما انْضَمّ إلى هيئة التحرير مُدير التشريفات السّابق الجنرال محمّد التركي الذي كان مُتَلَهِّفًا على خدمةِ بلادِهِ، كلّما سَنَحَت له الفرصة بذلك، سواء بثقافته الواسعة أو بأسلوبه الخفيفِ الذي سبق له أن اخْتَبر حدّته وحيويّته البريئة.
ولكن لا يَنْبَغِي أن نَتَصوَّرَ أنّ علي بوشوشة المُشتَغِل بإدارة جريدته واستغلال مزرعته الشاسعة بعين عسكر، استغلالاً حكيمًا، قد تَخلَّى بسبب ذلك عن المشاركة في الحياة الاجتماعيّة وما تُوفّره له مُعاشرة أقرانه مِن مباهج. ذلك أنّه، وُثُوقًا منهُ بما يَظْفَرُ به في صحبتهم مِن راحةِ بالٍ ورفاهيّةٍ، داخل النوادي الخاصَّة بالعاصمةِ، فقد كان يَتَرَدَّدُ عليها سواء للاستراحة أو للتمتُّع بالاستماع إلى قصيدة جديدة أو قطعة موسيقيّة رقيقة، اختار ربّ البيت لأدائها بعض العازفين مِن بين أشهر الفنَّانِين في ذلك العصر.
ومِن ناحيةٍ أُخرَى فقد كان مُواظِبًا على حضورِ الجلساتِ التي كانت تُعقَدُ بصالون الأميرة نازلي، تلك السيّدة المصريّة العظيمة الذكيّة والمُثقَّفَةِ التي كانت تُقِيمُ مُنذ زواجِها بأحدِ الأعيانِ التُّونسيِّين[3] بقصرها الفسيح والفخم بضاحيَة المرسَى، إذْ كثيرًا ما كان يَلْتَقِي هناك بأشهر مُمَثِّلي النُّخبة التونسيّة المُثقَّفَة وبأعيان الجاليَة الأروبِّية أو بصفوة الضيوف المشارقة (مِن أتراكٍ ومصريِّينَ) أو المغاربة الذين كان يدعوهم حبّ الاغتراب أو التقلُّبات السياسيّة إلى زيارة البلاد التونسيّة الهادئة والمضيافة، مدّة تزيد أو تنقص مِن الزمن.
وفي ذلك الصالون أيضًا تعرَّف على مُفتِي الدِّيَار المصريّة الشّيخ مُحمّد عبده[4] الذي اجتازت شُهرته حدود وادي النِّيل، بما عُرِفَ به مِن علمٍ غزيرٍ وأفكارٍ إصلاحيّة جريئة. وقد ألْقَى على مِنبر الخَلْدُونيّة محاضرة بَليغة لا يُمكن أنْ يَنْساها جميع المُثقّفين التُّونسيِّين في ذلك العصر، الذين ما زالوا على قيد الحياة.
وهناك أيضًا ربط علاقات ودّيّة مع بعض المهاجرين الأتراك، وسيكون سعيدًا بمُلاقَاتِهم فيما بعد في اسطنبول، بعدما أعادت ثورة سنة 1908 العمل بدستور مِدْحَت باشا وأصدقائه، وأقامت حكومة متحرّرة، وأصبح بإمكانهم الرجوع إلى العاصمة العثمانيّة، دون التعرُّض لأيِّ خطرٍ، واستئناف نشاطهم المُتَعَطّل خلال عهد السلطان عبد الحميد وفي ظلِّ نِظامه الغاشم والقاسي.
وستكون تلك الرحلة التي قام بها علي بوشوشة بالمشرق صحبة صديقه ومساعده عبد الجليل الزاوش، آخر رحلة مِن رحلاته، ولكنَّها ليست أقلّها أهميّة مِن حيث الاكتشافات والملاحظات.
فبفضل ما عُرِفَ به مِن إقبال على البحث بدون كللٍ ولا مللٍ اغتَنَم فُرصة إقامته بتلك العاصمة الإسلاميّة الفسيحة، لزيارة المكتبات العامّة والخاصّة واكتشاف كُلّ ما سَمَحَ الشَّغَفُ بالعلمِ وحُبّ الاطِّلاع على الفنون والعلوم بجمعه في تلك المعالم الفكريّة، مِن مخطوطاتٍ ذائعة الصّيت ومطبوعاتٍ نادرة وتُحَفٍ نَفِيسَة، علاوة على مجموعات المنمنمات والخزف والمجوهرات الثمينة والمطرزات القديمة، التي لا وجود لها في أيِّ مكانٍ آخر مِن العالم.
ولكنّ رغبته الشديدة للمعرفة، لم تتمثّل في تلك الزِّيَارات العلميّة دون غيرها، بل كثيرًا ما كان يقوم صحبة صديقه عبد الجليل الزاوش بجَوْلاَتٍ مُطَوَّلَة عبر مدينة اسطنبول العتيقة. فكانت تَقُودُه خُطَاهُ مِن شارع رئيسي إلى آخر، دون أن يُهْمِلَ الشوارع الصغيرة، حيث كانت الجُمُوع الغفِيرة والمُنضبطة مِن المَارَّة تَتَدَفَّقُ كالنَّهرِ المُنْهَمِرِ، فتَسْتَرعي انتبَاهه بهدوئِها المُثِيرِ للإعجابِ.
وعندما عادَ علي بوشوشة إلى تونس، بدأ يحسّ بآثار الدَّاء الذي كان يَنْخُرُ جِسمه القويّ مُنذ بِضعِ سنوات.
إلاّ أنّه بالرغم مِن نصائحِ أطِّبَائِه وإلْحَاحِ أصدقائِه عليه لمراعاة حالَتِه الصحيّة والتَّخفِيف مِن نشاطه، قد أصرَّ على مُواصلة المهمّة التي كان قد تَعَهَّدَ بها والإشراف على جريدته “الحاضرة” العزيزة عليه، إلى أن اضْطَرَّ، بمزيد الحسرة إلى تعطيلها، بسبب الصعُوبات الناجِمة عن الحرب العالميّة الأُولَى[5].
ولقد الْتَحَقَ الرَّاحِلُ العزيز بجوارِ ربِّهِ يوم 18 أوت 1917، على إثر ذلك المرض العضال الذي لم يتمكّن من التغلُّبِ عليه فأثارت وفاته الحسرة والأسَى في نفوس كلّ مَن تابَعُوا نشاطه عن كَثَبٍ وأدرَكُوا قِيمة ما قام به مِن عملٍ مُتَوَاصِلٍ وجريءٍ ذلك الوطني النزيه والمتبصّر الذي سخّر كامل حياته لخدمة بلاده بالقلم والموعظة الحسنة.
وإن إفريقيَّة التي أخلص لها علي بوشوشة إلى آخر رَمَقٍ مِن حياتِهِ، لن تَنْسَى ما هى مَدينة به إليه. كما أنَّ الأجيال الصاعدة سَتَحْتَفِظُ بذكره، باعتباره أحد الباعثين الرئيسيِّين لنهضَتِهَا.
[1] الصادق الزمرلي، أعلام تونسيُّون، تعريب حمَّادي السَّاحلي، دار الغرب الإسلامي بيروت 1986.
[2] ولا سيّما المغرب الأقصى الذي كان آنذاك محلّ منافسة بين الدُّول العُظْمَى.
[3] المقصود بأحد الأعيان التونسيِّين هو خليل بو حاجب الذي تولَّى الوزارة الكبرى مِن سنة 1927 إلى سنة 1932.
[4] لقد أدّى الشيخ محمّد عبده زيارتين إلى تونس، الأولى مِن 6 ديسمبر 1884 إلى 4 جانفي 1885، والثانية خلال شهر سبتمبر 1903.
[5] لقد توقّفت جريدة “الحاضرة” عن الصدور ابتداءً من سنة 1910.