حركة الشّباب التُّونسي
محمد الأصرم[1]
(1925-1866)
هو محمّد بن محمّد شُهِرَ حمدة بن محمّد الأصرم باش كاتب المُتوفَّى سنة 1860. يَنحَدِرُ مِن عائلة تونسيّة عَرِيقة أصلُها مِن القَيروان، استقرّت فيها “رئاسة عموم أقلام الدَّولة”، مِن قيام الدَّولة الحسينيّة سنة 1705 إلى آخر القرن التاسع عشر.
ولد محمّد الأصرم بتونس في 23 نوفمبر 1866 واعْتَنَى بتربِيتِه شقيقه الأكبر الحاج أحمد الأصرم الذي كان مِن أعيانِ الحاضِرة، وابتدأَ تعلّمه بالبيت حيث حَفِظَ نَصِيبًا مِن القرآن الكريم وتعلّم الكتابة والقراءة ثمّ الْتَحَقَ بالمدرسة الصادقيّة عند إنشائها سنة 1875، فزَاوَلَ بها دراسَتَهُ في المرحلة الابتدائيّة وواصلها في المرحلة الثانويّة، جامعًا بين دروس المدرسة الصادقيّة ودروس جامع الزيتونة، كما يسمح بذلك النظام الأساسي للمدرسة. وقد اسْتَرْعَى انتبَاه أساتذته وأقرانه، سواء في الصادقيّة أو في الجامع الأعظم، باعتباره مِن أنجب التلامذة وأكثرهم مواهب وقدرة على الاستيعاب ولمّا بلغ في برنامج التعليم بالمدرسة الصادقيّة إلى نهايته، كان مِمَّن اقتضى لهم نبوغهم وقوع الاِختِيار عليه لمواصلة دراسته بفرنسا، فكان ضِمن الفوج الثاني مِن البعثة التي وجهتها المدرسة الصادقيّة إلى باريس في مُستَهل السنة الدراسيّة (1880 – 1881). فالْتَحَقَ بدار المُعلِّمين ببلدة فرساي إحدى ضواحي العاصمة الفرنسيّة، ولكنّه اضْطَرَّ إلى الانقطاع عن التعليم في آخر السنة الدراسيّة (1882 – 1883)، مثل زُملائِه الصادقيِّين في البعثتَيْنِ الأُولَى والثانية. إلاّ أنّ قضاء ثلاث سنوات في فرنسا قد كان كافيًا لتمكين ذلك الشاب مِن إثراء ثقافته العامّة، مِن خلال الدروس التي كان يُتابعها بدار المُعلّمين، ومطالعة آثار الثقافة الفرنسيّة الرائعة. أضف إلى ذلك أنّه أحرز شهادة ختم الدروس بدار المُعلّمين بفرساي وشهادة الكفاءة لتعليم اللغات الحيّة.
وما إن عاد المترجم له إلى تونس حتى عُيِّن في سنة 1884 في قسم إعداد المُعلّمين التابع للمدرسة العَلَوِيّة التي تأسّست في نفس تلك السنة، فتخرّجت على يديه الأفواج الأولى من المُعلِّمين التونسيِّين ذوي الثقافة العصريّة.
ولما كُلّف المدير الذائع الصيت بول بورد “Paul Bourde” بإدارة الفلاحة سنة 1895 ضمّ إليها مصلحة الغابة التي كان قد أنشأها الوزير خير الدِّين للاعتناء بغابات الزياتين، وعيّن على رأسها محمّد الأصرم الذي تخلَّى عن التدريس وانتقلَ إلى إدارة الفلاحة بصفة مدير الغابة. وقد استمرّ في الاضطلاع بهذه المهمّة إلى حدود سنة 1911 بعد ما غادر “بول بورد” إدارة الفلاحة. فعُيّن في نفس تلك السنة أُستاذًا بالمدرسة العُليَا للغة والآداب العربيّة وساهم مساهمة فعّالة في تدريس اللغة العربيّة لأفواج متتالية مِن الشبَابِ التونسي. ثم انْتُدِبَ خلال السنة الدراسيّة 1914 – 1915 لتدريس مادَّة الترجمة بالمدرسة الصادقيّة. وانتُخِب في سنة 1921 عضوًا في مجلس إدارة جمعيّة الأوقاف.
وإلى جانب مَهامِّه الإداريّة والتعليميّة عُرف الأستاذ محمّد الأصرم بنشاطه الثقافي والعلمي المُكثّف والمتنوّع. فقد ساهم في تأسيس جريدة “الحاضِرة” التي صدرت مِن 1888 إلى 1911، وساهم سنة 1896 في إنشاء الجمعيّة الخَلْدُونيّة بتونس، بالاشتراك مع مجموعة مِن نبغاء خرّيجي المدرسة الصادقيّة، أمثال البشير صفر وعلي بوشوشة ومحمّد بن الخوجة. وقد بذل في سبيل النهوض بهذه المؤسّسة الثقافيّة العريقة قُصارَى جهده، سواء كأستاذٍ أو كعُضْوٍ في الهيئة المديرة أو كرئيسٍ. ذلك أنّه قد انتُخِبَ رئيسًا للجمعيّة الخَلْدُونيّة في سنة 1900 واستمرّ في رئاستها حتّى سنة 1909. ثم انتُخِب مِن جديدٍ رئيسًا لها في سنة 1924، فجدّد للجمعيّة الخَلْدُونيّة شبابها وبعث فيها رُوحًا جديدة بعد الفتور الذي شهدته أثناء فترة الحرب العالميّة الأُولَى.
وفي سنة 1920 عُيِّن رئيسًا لجمعيّة “التمثيل العربي” التي وحّدت بين جمعيّة الشهامة وجمعيّة الآداب.
كما انتُخِب فى ديسمبر 1923 رئيسًا لقُدماء الصادقيّة فجمع بين رئاسة هذه الجمعيّة ورئاسة الجمعيّة الخَلْدُونيّة. إلاّ أنّ حالته الصحيّة قد أجبرته على الاستقالة مِن رئاسة جمعيّة قُدماء الصادقيّة، فعوّضه على رأسها الأستاذ مصطفى الكعّاك وساهم أيضًا في أعمال لجنة إصلاح التعليم الزيتوني التي أنشأتها الحكومة سنة 1924 برئاسة زميله في الدراسة بالمدرسة الصادقيّة، مصطفى دنقزلي، وزير القلم والإستشارة آنذاك.
ومِن الجدير بالذِّكر أيضًا أنّ محمّد الأصرم قد شارك في مؤتمر المُستشرقين المُنعقد بالجزائر سنة 1905، وساهم أيضًا في مؤتمر شمال إفريقيا المُنعقد بمرسيليا من 5 إلى 9 سبتمبر 1906. وقد نُشرت المُداوَلات الخاصّة بالبلاد التونسيّة، ومنها مُداخلات المترجم له في كتاب مستقلّ بذاته يحمل عنوان “مسائل تونسيّة”، تقديم المُقيم العام الفرنسي السّابق “روني مييي”.
ثم ساهم في مؤتمر شمال إفريقيا المنعقد بباريس مِن 6 إلى 8 أكتوبر 1908، بدراسة قيّمة حول “التعليم الإسلامي العالي في جامع الزيتونة والجمعيّة الخَلْدُونيّة”.
وأقبلَ محمّد الأصرم منذ شبابه الباكر على التأليف الكاتب والترجمة. فنقَلَ إلى اللغة الفرنسيّة بالاشتراك مع الفرنسي سار “V. Serres” المشرّع الملكي في سلطنة أولاد حسين بن علي تركي، لمحمّد الصّغير بن يوسف (1900). وبعد ذلك ببضع سنوات ترجم بالاشتراك مع نفس الأستاذ “الرحلة إلى البلاد السنُوسيّة”، للشيخ محمّد الحشايشي. ثمّ أصدرَ كتابًا باللغة الفرنسيّة بعنوان: “جمعيّة بالبلاد التونسيّة: الخَلْدُونيّة“.
وقد لبَّى المترجم له داعي ربّه في 16 مارس 1925.
المراجع:
- الصادق الزمرلي، أعلام تونسيّون، تعريب حمّادي السّاحلي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1986.
- محمّد الفاضل بن عاشور، تراجم الأعلام، الدار التونسيّة للنّشر، تونس، 1970.
- المنجي الصيادي، الجمعيّة الخَلْدُونيّة (باللغة الفرنسيّة) الدار التونسيّة للنّشر، تونس 1974.
[1] رحاب المعرفة: ع 11، ص 36 – 37، 1999.