الأستاذ الشيخ محمد صالح النيفر
هو محمّد الصالح بن الطيّب بن علي بن صالح النيفر ولد يوم 10 مارس 1905م من عائلة علميّة إذ جمع جدّه الشيخ صالح بن أحمد النيفر (ت 1290هـ/1874م) بين الخطابة بجامع الزيتونة وخطّة باش مفتي المالكيّة، كما كان لآل النيفر حضور مكثّف في الإطار التدريسي بجامع الزيتونة في النصف الأوّل من القرن العشرين. تلقّى محمّد الصالح النيفر دراسته الابتدائيّة بالمدرسة القرآنية ثمّ ألحقه والده بمدرسة السّلام الّتي كوّنها الشاذلي المورالي بحوانيت عاشور، ثمّ التحق بجامع الزيتونة سنة 1916م ليختم دراسته به طبقاً للنظام القديم بالحصول على شهادة التطويع سنة 1923م.
كان من أبرز شيوخه محمّد العزيز جعيط، ومحمّد النّخلي. انضمّ إلى سلك المدرّسين بالجامع الأعظم سنة 1929م بصفته متطوّعاً، ثمّ ارتقى إلى الطبقة الثانية سنة 1935م، ولم يرتق إلى الطبقة الأولى إلّا سنة 1953م، ثمّ كلّف بإدارة الفرع الزيتوني للبنات.
برز الشيخ محمّد الصالح النيفر بنشاطه في المجال الجمعياتي إذ أسّس في ديسمبر 1930م جمعيّة النشء الرياضي الّتي اهتمّت بتنمية الرياضة في الوسط الزيتوني، وقد كانت تضمّ سنة 1935م ثلاثين رياضيّاً. كما كان أحد مؤسّسي جمعية علماء جامع الزيتونة الّتي ظهرت في فيفري 1933م والّتي ترأّسها إبراهيم النيفر وضمّت عدداً من أساتذة الجامع، وقد تولّى الشيخ محمد الصالح النيفر كتابتها العامّة، غير أنّ هذه الجمعيّة لم يرخّص لها في النّشاط إذ عارضها شيخ الجامع محمّد الطاهر ابن عاشور. كما كان أحد مؤسّسي نقابة المشايخ المدرّسين بجامع الزيتونة وفروعه الّتي ظهرت في عهد الجبهة الشعبيّة وكانت تابعة للكنفدرالية العامّة للشغل (س.ج.ت)، وقد تولّى كتابتها العامّة، وكان أحد المحرّضين على الإضراب الّذي شنّه أساتذة الجامع في ديسمبر 1943م. وفي بداية الحرب العالميّة الثانية أسندت إليه رئاسة جمعيّة الشبّان المسلمين الّتي اتّسع نشاطها في عهده حتّى بلغت فروعها 113، وكانت لهذه الجمعيّة عدّة مشروعات اجتماعية وخيريّة إذ فتحت في أكتوبر 1947م مدرسة البنت المسلمة بنهج السرّاجين بالعاصمة وأخرى بماطر كما فتحت مدارس لرياض للأطفال بكلّ من باب الخضراء وحمّام الأنف والمرسى. وتولّت جمعية الشبان المسلمين في عهده كذلك مشروع دار الرضيع للاهتمام بالطفولة المهملة. وأسّست سنة 1946م فرعاً كشفيّاً امتدّ نشاطه إلى كلّ من جهتي بنزرت وقابس. وبعثت قبل ذلك في سنة 1945م فرعاً نسائيّاً لترقية الأخلاق بين التونسيات والتّعارف بينهنّ والحثّ على تعليم البنات المسلمات.
كما أسهم هذا الرجل بدرجة أقلّ في نشاط جمعيات أخرى من ذلك أنّه شارك في المؤتمر الثاني لجمعيّة طلبة شمال إفريقيا المسلمين المنعقد في أوت 1932م بالجزائر، وتبرّع بعدد من الكتب لفائدة المكتبة الّتي أنشأتها هذه الجمعيّة الطلابيّة بباريس. وتولّى الكتابة العامة لمؤتمر المدرّسين الزيتونيين الّذي انعقد في أكتوبر 1944م للنظر في إصلاح التعليم الزيتوني. وشارك في جانفي 1946م في المؤتمر التأسيسي للإتحاد العام التونسي للشغل وتدخّل في جلسته الافتتاحية وطالب في أثناء النّقاش بتوسيع العمل النّقابي إلى مناطق التراب العسكري بالجنوب، وقد لفتت إليه هذه المشاركة نظر المؤتمرين فعيّن في لجنة الدعاية المنبثقة عن المؤتمر. ومع هذه الأنشطة المكثّفة لم يعرف للشيخ محمد الصالح النيفر نشاط حزبي أو سياسي معيّن إلّا أنّه برز حين جدّت أحداث التجنيس في ربيع 1933م، وقد أوقف في شهر ماي عن العمل بتهمة التحريض على الإضراب ولم يصدر العفو عنه إلّا في بداية السنة الدراسيّة الموالية. ورغم أنّ رئاسته لجمعية الشبان المسلمين كانت باقتراح من عناصر تابعة للحزب الدستوري الجديد فإنّه حرص على استقلاليّتها عن كلّ الأحزاب السياسيّة، كما نشط في الميدان الصحفي إذ أسهم في تحرير جرائد “البدر” و”النهضة” “مكارم الأخلاق” و”مرشد الأمّة” و”المشير” و”الاستقلال” و”النّقيب التونسي” وترأّس تحرير مجلّة “الجامعة” (1937م) وأصدر مجلة “الشبان المسلمون” الّتي ظهر عددها الأوّل في مارس 1947م.
أمّا بعد الاستقلال فقد وقف ضدّ مجلة الأحوال الشخصيّة ذلك أنّه عرف إلى آخر أيّامه بمواقفه المحافظة من تحرير المرأة وبمعارضته الشديدة للطاهر الحدّاد في القسم التشريعي من كتابه: امرأتنا في الشريعة والمجتمع، كما تمسّك بالرؤية في تحديد شهر رمضان. وقد أحيل على التقاعد المبكّر مثل عدد آخر من الزيتونيين، كما أوقف عن إمامة جامع التوفيق، فخيّر الهجرة إلى الجزائر سنة 1963م، وامتدّ مكوثه بها إلى سنة 1970م. وقد عيّن في البداية مديراً لمدرسة ثانويّة بالبليدة ثمّ طلب النقلة إلى الشرق الجزائري حيث تولّى تدريس الفلسفة الإسلاميّة وتاريخ الأدب العربي بالمعاهد الثانوية (1965م) ثمّ الحضارة والتشريع الإسلامي بجامعة قسنطينة (1967م)، كما أسّس جمعيّة الإصلاح الأخلاقي والاجتماعي الّتي كان من نشاطها تأسيس مدرسة للفتيات وأخرى للفتيان وتقديم دروس في الوعظ والارشاد.
وبعد عودته إلى تونس سنة 1970م عاد إلى النّشاط من جديد بالجوامع، كما كان يدلي برأيه في عدّة قضايا تهمّ البلاد وكان له تأثير في بعض الأوساط الشبابيّة، وهو ما أدّى إلى إحالته على المحاكمة سنة 1981م دون أن يصدر عليه حكم بالسجن.
أمّا آثاره، فقد كتب الشيخ محمّد الصالح النيفر الشعر حتى خصّص له زين العابدين السنوسي فصلاً في كتابه الأدب التونسي في القرن الرابع عشر ضمّن له فيه خمس عشرة قصيدة من قصائده، أمّا كتاباته الصحفيّة فهي أكثر من أن تحصى خاصّة أنّ الرجل كان يكتب بأسماء مستعارة، ومع تنوّع كتاباته لم يصدر له غير كتيب واحد يحمل عنوان الصلاة عماد الدّين، نشر بتونس سنة 1975م.
توفّي الشيخ في منزله بباردو في أواسط شهر فيفري 1993م، وأبّنه الشيخ محمّد الشاذلي النيفر رحمهم الله جميعاً.