ترجمة العلاّمة
عمر ابن الشيخ
هو عمر بن أحمد بن علي بن حسن بن علي بن قاسم المعروف بابن الشيخ، ولد الأستاذ بقرية يقال لها: “الماتلين” من عمل “بنزرت”، في حدود سنة 1239هـ، وقدم به والده تونس صبيّاً، فنشأ بها، وعندما بلغ أمد التعليم، أقام له معلّماً للقرآن المجيد، ثمّ دخل الجامع الأعظم جامع الزيتونة سنة 1259هـ، فتلقّى العلم على كبار الأساتذة؛ مثل: الشيخ محمّد بن مصطفى البارودي، والشيخ محمّد الخضّار، والشيخ محمّد سلامة، وشيخ الإسلام الشيخ محمّد معاوية، والشيخ محمود قبادو الشاعر الشهير، والشيخ الشاذلي ابن صالح، والعلاّمة الشيخ محمّد النيفر، والعلاّمة الشيخ محمّد بن الخوجة، والعلاّمة الشيخ حمده بن عاشور، والعلاّمة الشيخ محمّد الشاهد، والعلاّمة الشيخ محمّد البنّا، والأستاذ الكبير الشيخ إبراهيم الرياحي.
ولما اشتدّ ساعد الأستاذ فهماً، وامتلأت وطابه علماً، جلس للتدريس بجامع الزيتونة سنة 1266ه، ثمّ صار مدرّساً من الطبقة الثانية سنة 1268هـ، ثمّ صار مدرّساً من الطبقة الأولى سنة 1283هـ.
ودرّس الأستاذ كتباً عالية في علوم شتّى، تدريس بحث وتحقيق، منها: “الشرح المطوّل على متن التلخيص”، و”شرح الأشموني على الخلاصة”، وكتاب “مغني اللّبيب”، و”شرح المحلّي على جمع الجوامع”، و”شرح السعد على العقائد النسفيّة”، و”شرح الزرقاني على مختصر خليل”، و”تفسير القاضي البيضاوي”، انتهى فيه إلى قوله تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط} [آل عمران: 18].
ودرس كتاب “المواقف بشرح السيّد”، ولم يكن من الكتب الّتي تدرس لذلك العهد، حتى أتى على نهايته، وتليت عند ختمه القصائد البليغة، وكان يحضره أكابر المدرّسين.
أما أسلوب الأستاذ في التعليم، فمن أنفع الطرق، كان يقرّر عبارة المتن، ويبسطها حتّى يتّضح المراد منها، ثمّ يأخذ في سرد عبارات الشرح، وما تمسّ الحاجة إليه من الحواشي والكتب الّتي بحثت في الموضوع، لا سيما الكتب الّتي استمد منها شارح الكتاب، ويتبعها بالبيان جملة جملة، ولا يغادر عويصة أو عقدة إلاّ فتح مغلقها، وأوضح مجملها؛ بحيث يتعلّم الطالب من دروسه كيف تلتقط جواهر المعاني من أقوال المؤلّفين، زيادة عمّا يستفيده من العلم.
وكان لصاحب الترجمة اليد الطولى في نظام التعليم بالجامع الأعظم في عهد وزارة خير الدّين؛ فقد كان أحد أعضاء اللّجنة الّتي شكّلها الوزير خير الدّين لوضع القانون تحت رئاسته.
وولي صاحب الترجمة في عام 1308هـ خطة الفتوى بحاضرة تونس، فاهتز لولايته ارتياحاً كلّ من يقدّره ويعرف إخلاصه، ونهض بأعبائها نهضة النّاصح الأمين، وامتاز بالبراعة في تطبيق الأصول على الفروع.
وأحبّ صاحب التّرجمة أن يتزود من الأعمال الّتي لا تنقطع بعد الموت، فأضاف إلى العلم الّذي بثّه في صدور الرجال أن تنازل سنة 1324هـ عن مرتّب التدريس للمتطوّعين بالتدريس في الجامع الأعظم مدّة حياته، وأوصى لهم بقطع من المزارع يصرف لهم ريعها بعد وفاته.
وفي سنة 1325هـ أدرك جسمه ضعف الكبر، ودعاه الحالّ يومئذ إلى تقديم استعفائه من منصبي الفتوى والنيابة بالجامع، فأعفته الدولة منهما، وأبقت له لقب مفت ونائب اسماً شرفيّاً. ثمّ توفّاه الله تعالى ليلة الثلاثاء في الثالث من المحرّم عام 1329هـ، أسبغ الله عليه رداء رضوانه، وأرسل عليه وابل رحمته وإحسانه.
ترجمة مأخوذة من كتاب تونس وجامع الزيتونة
للشيخ محمّد الخضر حسين رحمه الله تعالى