خطبة جمعة بعنوان:

أوزار الصّيف

الشيخ محمد الأخوة

الحمد لله حمدا يرشدنا إلى محاسن الأعمال. ويجنّبنا مساوئ الخِلال. سبحانك ربّي. بَيّنتَ لنا الهُدَى من الظّلال. وأشهد أن لا إله إلا الله، يُحِبُّ من تَمَسَّك بدينه، واتّبع مِلَّته. ويبغَض من بَعُدَ عن دينه، وتَشبَّه بأهل الخُسران، أهل المُجُون. وأشهد أنّ سيّدنا محمّدا رسول الله، رَبَّى أمّته، وأخلص لله نيّته. مَن آتاه الله الحِكمة وفَصل الخِطاب.

اللّهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه الذين كافحوا شَهَواتِهم وصَانُوا أعراضهم عن عيون غيرهم، فلم يتحرّك رَكْبُهم وراء كلّ راكب، وثَبَتُوا على عاداتهم فنَالُوا الرّغَائِب وقَرَّت عُيونُهم فَأَصْلَحَ بَالَهم، وأَدْخَلَهم الجَنَّة عَرَّفَها لهم. حتّى كانوا أَحسَن ذِكْرَى وأَكْمَل عِبْرَة. وإنَّ لهم عند الله لَزُلْفَى وحُسْن مَآب.

أما بعد، فيا عباد الله نسُوق الحقيقة وهي مُرَّة، ونَقُول الواقع وهو عظيم. إنَّ الصّيف إذا أقبَل بِحَرِّهِ، وأَلجَمَ النَّاسَ بِعَرَقِه، كَشف لنا عن أَعْوَار، وأَبْرَزَ للعَيَان ما كان مَستُورًا. إنَّ الذي نَأسَفُ له كثيرا، ونَعْتَرِض عليه ويَتَأَلَّم له كلّ غَيُور مُتَجَرِّد عن مُيُولِه الجِنسيّ، ما نَرَاه ونُشاهِده مِن خَلاعة مَاجِنَة، واِستِهتار بالدِّينِ عَظِيمٍ. فهَذا اختلاطُ فِتيان وفَتَيات، وهذه حَفلات رَفَثٍ يَجتمِع فيها النِّساء والرِّجال. فيها تُبَاعُ الفَضِيلة. وتُرتَكَبُ كلّ رَذِيلة. فيها يُخْلَع ثَوب الحَيَاء، ويُلْبَس ثَوب البَذَاء. نَرى النَّاس قد تَرَكُوا بُيُوتَهم وجَلَسُوا في المُتَنَزَّهَات مُخْتَلِطِين، اختِلَاطَ الأغْنَام. تُتَبَادَلُ النَّظَرَات الصَّائِبَات بَين الأسياد والسَّيِّدات. فَتَتَغَازَلُ العُيُون حتَّى تُؤَدِّيَ إلى مَا لا يُحمَد عُقباه. والرَّسُول الأعظم صلى الله عليه وسلم يقول: (النَّظْرَةُ سَهْمٌ مَسْمُومٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ) لعنه الله. نَرى المَرأة المُسلِمة إذَا جَاءَها الصَّيْف تَحَلَّلَت مِن كُلِّ حَيَاء. فخَرَجَت للنَّاس عَارِية أو شِبْه عَارِية، تَعْرِض جِسمَها في زِيِّ عاهِرة قد أبرزت مَحَاسِنَها، وزَادَت في مَفَاتِنِهَا. قد لَطَّخَت وَجْهَهَا بالمَسَاحِيق. وزَيَّنَت رَأسَها بالتَّزَاوِيق لِتَبدُوَ فِتنَةً للنَّاظرين، فهذه المرأة خَارِجَة مِن رِضَا رَبِّ العَالَمِين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَيُّمَا اِمْرَأَةٍ اِسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَشُمُّوا رِيحَهَا، فَهِيَ زَانِيَةٌ، وَكُلُّ عَيْنٍ تَنْظُرُ إِلَيْهَا زَانِيَةٌ).

نَرى، ويا سُوء ما نَرى، نَرى الرَّجل يُرافِق زَوجته مُتأبِّطا لِذِرَاعِها، بما لا يَتَّفِق وآدَابَ الدِّين، لِيَخرُج بها بَين النَّاس في أَبْهَى حُلَّة، وأَجْمَل زِينَة، ثُمّ لا يَكتَفِي بذَلك، بل يَعرِضُها على أصدِقائه عَرْضَ السَّمَاح، فكأنَّه يقول هذا العَرْضُ لكم مُبَاح، فلَيْس عَلَيكم جُنَاح أَنْ تَنظُروا إلَيْه، وتُمعِنُوا النَّظَر فِيه، بَل تَنَعَّمُوا بِه واِسْتَلَذُّوا بِه، فَلَيْسَت عندِي غَيْرَةٌ تَمْنَعُ، ولَيْس عِنْدِي دِينٌ يَدْفَع.

عباد الله، إنَّ الغَيْرَة مِن الإيمان، فإنَّ الرّسول عليه السّلام يقول: (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ دَيُوثٌ – وَسُئِلَ صلى الله عليه وسلم عَن الدَّيُوثِ فِي جُمْلَة مَا سُئِلَ عَنْهُ، فَقَالَ الذِي لَا يُبَالِي مَنْ دَخَلَ عَلَى أَهْلِهِ). وقد سَأل رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم اِبنتَه فاطمة، وقال لها: (أَيُّ شَيْءٍ خَيْرٌ لِلْمَرْأَةِ فقالت: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنْ لَا تَرَى رَجُلًا وَلَا يَرَاهَا رَجُلٌ. فَضَمَّهَا إلَى صَدْرِهِ، وَقَالَ: ذُرِّيَّةٌ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ. وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).

في الواقع، إنَّ هذه المُوبِقَات دَخَلَت لَنَا مِن تَقْلِيدِنَا لغَيْرِنَا، لِأَنَّهَا صَــادَفَتْ هَوًى فِي نُفُوسِنا. حيث بَعُدنا عَن دِينِنا، حتَّى أصْبَحْنَا أمَّة إسْلامِيَّة في الاسْم، ومُحَمَّدِيَّة في الرَّسْم. ولو خرج الرسول بيننا لما عرفنا. ولو رأى أحوالنا، لنَكِرنا. لأننا تَشَبَّهْنَا بغيْرِنا حتَّى صِرنا مِنهم. ويا لَيْتنا لو تَبِعْناهم في صَالِحِهِم دون فَاسِدِهم. وصدق رسول الله إذ يقول: (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَتَبِعْتُمُوهُمْ).

يا أيّها المؤمنون، ويا أيّتها المؤمِنات، هذا القرآن يُخاطبكم ويُحذِّركم ويُعَلِّمكم دينَكم. قال الله تعالى مخاطبا النِّسوة في سورة الأحزاب: ﴿وَقَرْنَ فِي بِيُوتِكُنَّ، وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾. أي اُمكُثن في البيوت ولا تخرجن مُتبرِّجات بِزينَة. كفِعل أهل الجاهليّة الأُولى. نَعَم للمرأة كَما هو للرّجل أن تَنْعَم بِلَذائِذ الحَياة، وما أعدَّه الله فيها مِن مُتَع ومُشْتَهَيَات في دائرة الآداب وحَصَانَة الدِّين مِن عِفَّة وصَوْن للعِرْض والحَيَاء. فلا خَيْر لمن لا حَياء لَه. فإنَّ عَلامَة الإيمَان الحَياء. ومَن لم يَستَح من النَّاس لَم يَستَح مِن الله. ومِن قَبْل قِيل: (دَع الحَيَاءَ وافْعَلْ مَا تَشَاء). للناس أن يَنعَمُوا بما لذّ من الحياة، على شَرِيطَة الإِبَاحَة، فقال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف:32]. يا أيها المُسلِمون، هذا هو الهُدَى، وطَريق النَّجاح والفَلاح، وهذه هي العُروة الوُثقى، وهذا هو التّعليم الصّحيح والمسلك، والعمل الرّابح. يقول الله ومن أصدق من الله قيلا لقوم يوقنون في سورة النور: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور:31]. صدق الله العظيم.

مقالات مقترحة