إتّباع خطوات الشّيطان
الشيخ محمد الأخوة
1377هـ – 1957م. جامع المرسى
الحمد لله العظيم، المالك الكريم، الذي حذّرنا حيث أنذرنا. وأراد منّا أن نُجنّب أنفسنا سوء مغبّة أعمالنا إذا اِتّبعنا الشّيطان الغادر اللّعين الحسود الماكر الشّرّير الكافر. فسبحانه من إلَه عظُمت نعمته وتلألأت في الآفاق آثار حكمته. وأصلّي وأسلّم على خير نبيّ وأكرم رسول جاء للبشريّة مُنقذا مُحذِّرا مُرشدا ومُعلّما وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذرّيّته وكلّ من عمل بمنهجه القويم.
أيّها النّاس أعِظ نفسي وإيّاكم بمثل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [النّور:21]. يخاطبنا الله تعالى محذّرا إيّانا من إتّباع خطوات الشّيطان الرّجيم بإغواء نفوسنا حيث نقع في الفحش والمنكر وكلّ قبيح رذيل. تدلّ الآية الكريمة أنّه يوشِك أن يقع كلّ النّاس في حبائله وشباكه إلّا من تفضّل عليه الله فعصمه منه حيث استنجد العبد بمولاه فوجده سميعا وعمل بما يُرضي سيّده حيث كان به عليما.
عباد الله كيف لا نُعرض عن خطوات الشّيطان وهو لنا العدوّ اللّدود. قال تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾ [فاطر:6]. عَادَانَا منذ حَسَدَنَا وَاحْتَقَرَ طينتنا فقال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين. الشّيطان سبب شقائنا وأعظم حرب علينا. فأيّ عداوة أعظم وأشدّ من عداوة من سعى في نَفْي أبوَيْك من الفردوس الخالد وأخرجهما عارِيَيْن إلى دنيا النَّصَب والكدّ والجَهد. وهل ترى في وسوسته نصيحة وخيرا إذْ أراد بأبَوَيْك شرًّا مُستطيرا. فوالله لا يريد بك إلّا الخُسران المُبين والهَوان المُهين. قال تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا﴾ [الأعراف:26]. وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [فاطر:6]. فَيا أُولِي النُّهَى من أَتْبَاع محمّد صلّى الله عليه وسلّم هل منكم من يجعل نفسه في بوتقة صحب الشّيطان حتّى يَصْلَى نار السّعير، وهل منكم من يكون في عِداد جنده يأتمِر بأمر اللّعين حيث يزيّن لهم سوء العمل ويُغريهم بطول الأمل فيجعلهم صادّين عن السّبيل، باعدين عن حضيرة الدّين، مُتجنّبين ما يُصلِح العباد في الدّارين، غير هادِين ولا مَهدِيّين. قال تعالى: ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ﴾ [النمل:24].
عباد الله إنّ رباط الشّيطان ومربضه ومقصده الأعظمَ ومَكْمَنَه المَراكِزُ الرئيسيّة في المجتمع البشريّ، مراكز القوّة والعظمة، مراكز السّلطان والنّفوذ، مراكز الجاه والمال، مراكز العلم والأدب، إذ أنّ وصف الحسد المُتغلغِل فيه، الوصف الذي أخرجه من الجنّة وفرض عليه الخسران المبين، يأبَى عليه أن يَرى عظيما سعيدا وسلطانا فائزا وحاكما عادلا وعالِما عاملا. فيُزَيِّنُ لهذا النّفاق ولذاك الغرور وللآخر الإستبداد ولغيرهم سوء الخُلُق وهلمّ جرّا. وما ظنّكم بمجتمع فسدت فيه أركانه الرئيسية فهل يُرْجَى لِتَابِعِينَ فَلَاحٌ. لكن واللهِ لِهؤلاء أن يكونوا في حِمى منه وذلك بقوّة إيمانهم وبجميل إستعدادهم لأداء واجبهم والإبتعاد عمّا يضيرهم حيث يتّكِلون على الله توكّلا شرعيّا صحيحا. قال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ﴾ [النحل:99]. فإنّ من أعرض عن أوامر الله واتّبع هواه وغرّته الدّنيا الفانية وسرابها الخَدّاع وبريق أطماعِها الكاذبة، كان الشّيطان له قرينا فيُعمِي بصره ويُضلّ بصيرته حتّى يرى السّوء حُسْنا والهلاك نجاة. قال تعالى: ﴿وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ﴾ [الزخرف:35].
عباد الله تَدَرَّعُوا بأقوى الدّروع وأمضى السّلاح، تحصَّنوا بتقوى الله تعالى في السّرّ والعلن واجعلوها شعار أعمالكم وتسجيل خطاكم ومناهجكم حتّى إذا مسّكم طائف من الشّيطان تفطّنتم لمكره وخداعه وابتعدتم عن شركه وعظيم باعه. قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ﴾ [الأعراف:201].
عباد الله لا يغرّنا الشيطان فيُزيّن لنا الانتقاض على بعض شرعنا حتّى يجعلنا نقول: هذا الحُكم يصلح لهذا الزّمان وذاك لا يصلح له، وهذا المنهج الشّرعيّ مقبول والآخر لا يلائم العصر الحديث. فإنّ الله لا يقبل الشّرع المُبَعَّضَ كما لم يقبل من بني إسرائيل التّبعيض. قال تعالى: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾ [البقرة:85]. فإنّ الدّين الذي أرتضاه لنا أحكم الحاكمين وربّ الأرباب ومن بيده مفاتيح السّعادة هو الدّين الحقّ والدّستور الأحقّ والسّراط الأقوم. من تمسّك به نجا، ومن أعرض حتّى عن بعضه كان في بؤرة الشقا، وكان عابِدًا الشّيطان الذي هو له عدوّ مبين.
وقانا الله من مكر الشّيطان وجعلنا الله من عباده الذين أنعم الله عليهم فأسعدهم وجنّبهم البلاء.
إلّا أنّ أعظم وعظ وأَفْيَدَ تذكير في مناط العرض كلامُ من بيده ملكوت السّماوات والأرض. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ [يس:60].
محمد الأخوة.