بسم الله الرحمان الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
مضار التقليد
الشيخ محمد الأخوة
ألقيت في ذي الحجة وفي جانفي 1393هـ/1974م
الحمد لله الذي إذا أراد بأمّة خيرا وفّقها للتّمسّك بدينها ويسّر لها أسباب المحافظة على جوهر كيانها وجنّبها موارد التّردّي في التّشبّه بما هو سيّء من عادات غيرها. والصّلاة والسّلام على سيدنا محمد الذي ميّز أمّته بمناهج شرعها وبأشرف عادات بني قومها وعلى الآل والأصحاب الذين تمسّكوا بهدي السّنّة والكتاب ومن اقتفى أثرھم في صالح العمل إلى يوم العرض والحساب.
أمّا بعد فيا أيّها الملأ المسلم إنّ ما نراه من شبابنا ونسائنا وحتّى من بعض كهولنا ما يُفتّت الأكْبَاد من مُجون وخلاعة ونَبْذ لِمِقْيَاسِ الأخلاق الفاضلة. خُلع جلباب الحياء فلا حياء. أرأيت بهرجة النساء. واحسرتاه على المروءة والكرامة والإباء.
عباد الله تشاهدون تخنّث شبابنا أو توحشه فهو وَسخ قَذِر أغبَر كأنّ رؤوسهم رؤوس الشيطان. إنّكم ترَون عُري بناتنا وتَشبّههن بالرّجال. إنّكم تلمسون حلق الشوارب وإطالة شعر الرأس. إنّكم تشاهدون من ينتسب للإسلام كيف يتقرّب لغير أهل الدّين بالتقرّب إليهم في كلّ الميادين التي تُشين. ولقد صدق الرسول صلى الله عليه وسلم إذ يقول: (لتركبن سنن من كان قبلكم شبرًا بشبر وذراعا بذراع حتّى لو أنّ أحدهم دخل حجر ضبّ لدخلتموه وحتّى لو أنّ أحدهم جامع امرأته بالطريق لفعلتموه). حقّا يا رسول الله يا من لا ينطق عن الهوى إنّنا صرنا لا نسير شبرا من الأرض ولا نَطأ مركوبا ولا يضمّنا جمع إلّا ونشاهد الفجور والفسوق والعصيان وكلّ ما يُغضِب الدّيّان سبحانه.
عباد الله أين الرُّجلة والشّهامة. أين كرامة الإنسان في التمسّك بخاصّية جنسه. المرأة بعفافها وصيانة أنوثتها، أين الرجل المحتفظ بمُكمّلات ذكورته المدافع عن شرف جنسه. كلّ ذلك قد ضاع بسبب التّلبّس بصفات الكفرة الإباحيّين الذين تركوا مقاييس الأخلاق الفاضلة وانزلقوا في بؤرة الفساد والشّقاء فكانت مجتمعاتهم تشكو التّعاسة والبلاء. قال صلّى الله عليه وسلّم: (لَعَنَ اللهُ الرَّجْلَةَ مِنَ النِّسَاءِ) كما قال عليه الصّلاة والسّلام: (لَعَنَ اللهُ الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ المَرْأَة وَالمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ). يا قومي ما لكثير من بني جنسنا تنَكّر لأصالته فنبذ لغة القرآن وتكلّم بلُغات بني هذا الزّمان ليرى من نفسه أنّه حضريّ من أهل الثّقافة المرعيّ. وما درى المسكين أنّ صنيعه هذا يُفقده قيمته الشّخصيّة وإنّ تقرّبهم للآخرين بالتّكلّم بِلُغتهم لا يجعلهم عندهم محظوظين مرْضيّين حيث لا تتّفق معهم صفاتُهم ولا جنسهم وهذا مصداق قول الله العظيم: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ [البقرة:120]. نعم هذا ليس تنفيرا من تعلّم اللّغات وحذق التكلّم بها فإنّ تعلّمها واجب كفائي كسائر العلوم والفنون فترْك ذلك جملة يوقِع الأمّة في صفقة المغبون وجاء في الأثر: (من تعلّم لغة قومٍ أمِنَ مَكْرَهُمْ). وقد أخذ صلّى الله عليه وسلّم تُرجُمانا من الصحابة يترجم له عند الحاجة.
يا قومي إنّ أبشع ما تسمعه ذلك الكلام المزدوج بل المزيج من العربيّة الفصحى واللّغة الدّارجة واللّغة الأجنبية فإذا أرهفت سمعك يفزعك رنين لغة لا هي شرقية ولا هي غربية هي لغة ذبذبة لا تُنسَب لجنس فإنّها والله مسحة عار وسحنة نفاق. قال صلّى الله عليه وسلّم: (مَنْ أَحْسَنَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالعَرَبِيَّةِ فَلَا يَتَكَلَّمَنَّ بِالفَارِسِيَّةِ فَإِنَّهُ يُورِثُ النِّفَاقَ).
يأيّها المسلمون، ما هذا الاختلاط المشين بين البنات والبنين. ما هذا الفساد العظيم بين معابر المكاتب والإدارات مما تَنَدّى منه جبين الإنسانية. ما هذه الزّيجات والعقود المبنيّة على فساد الاختيار وسوء السّلوك التي تكون نتيجتها الفراق وتَفرُّق شمل البيوت وصيرورة الأولاد في الهمج والهمل. كل ذلك لانهيار أساس عقود الزواج الذي هو الدّين وكمال الأخلاق وذلك هو توجيه الرّسول الأكرم الذي يقول: (عَلَيْكَ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) ورُوِي عنه صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: (لا تَزوّجوا النّساء لحُسنهنّ فعسى حسنهنّ أن يُردِيَهنّ، ولا تَزوّجوهن لأموالهنّ فعسى أموالهنَّ أن تُطغِيَهنّ ولكن تزوّجوهنّ على الدّين. ولَأَمَة خَرْماء (مشقوقة الأنف والأذن) ذات دين أفضل) يا قومي إنّ الاختلاط الغير البريء مظنّة لكلّ سَوّة وهُوّة فسادٌ كما هو مشاهد للعيان. وإن كان بريئا لا شائبة فيه كمصاحبة المرأة لمحرم عندما تختلط بالأجنبيّ، فذلك جائز حيث لا ريبة فيه. فقد قال صلّى الله عليه وسلّم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلوَنّ بامرأة ليس معها ذو مَحرم منها فإنّ ثالثهما الشّيطان). وفي هذا الصّدد لم يكن الإسلام مانعا المرأة من التّكسّب الشريف الذي لا ريبة فيه ولا دَخَل. فلها في كنف العفاف والشّرف والحشمة والحياء أن تكون عاملة في جُلّ قطع الحياة كمعلمة وقابلة وخيّاطة وما إلى ذلك حتّى أنّ الإمام أبا حنيفة رضي الله عنه أجاز لها ولاية القضاء في غير الحدود. فالقيام بالعمل في هذه الحياة مطلوب من الذّكر كما هو مطلوب من الأنثى في دائرة المقياس الشرعيّ. قال صلّى الله عليه وسلّم: (إِنَّ اللهَ يَكْرَهُ العَبْدَ البَطَّالَ). فلا تخصيص للعمل بالذكر دون الأنثى. وقد قال صلّى الله عليه وسلّم: (المِغزَلُ بِيَدِ المَرْأَةِ خَيْرٌ مِنَ الرُّمْحِ فِي يَدِ المُجَاهِدِ). كذلك الهدي من أمّهات المؤمنين رضى الله تعالى عنهنّ فهذه سيدتنا عائشة كانت تحضر النّدوات العلميّة للتّحقيق في أحكام فقهية. وكانت رضي الله تعالى عنها تُستَشارُ من قِبل الصّحابة ومن قَبلها كانت سيّدتنا خديجة رضي الله تعالى عنها تتاجر في أموال كثيرة وتربح أموالا غزيرة بمرأى ومسمع من الرّسول صلّى الله عليه وسلّم.
عباد الله، هذا هو ارشاد ديننا وهداية شرعنا فما علينا إذا أردنا الفلاح والنّجاح إلا التّمسّك به ونشر مبادئه بين الأنام لننفيَ عن مجتمعنا جميع الآثام ونكون أقمنا مجتمعنا على صرح الكرام. قال جل من قائل: ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب:21]. صدق الله العظيم.