بسم الله الرحمان الرحيم وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه الكريم في كل وقت وحين
رأس السنة الشمسيّة – 1396هـ/1976م
الحمد لله الفرد الصمد، من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد، وحّد بين الأديان في المرمى والمآل، وإن خالف بينها بعض الشيء في مناهج السلوك، متابعة لتطوّر الأَعْصُر والزمان، فنشهد أنّه سبحانه واحد الوجود، ليس لنا سواه معبود، وأنّه بعث أنبياء ورسلا بهدايات تترى، وجعل خاتمتها رسالة سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلم بلا امتراء. اللهم صلّ وسلّم وبارك عليه وعلى آله وذويه وصحبه ومن سار على نهجه.
أمّا بعد، فإنّ الله الحكيم سبق في علمه القديم أن يبعث للناس هدايات من عنده سبحانه وتعالى حتى لا تضلّ عقولهم ولا تزلّ أقدامهم ولا يتّبعوا هواهم، فكانت النبوّة والرسالة الحارس الأمين والهادي إلى الصراط، صراط الله العزيز الكريم، رسلا مبشّرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجّة بعد الرسل، وكانت هذه الرسالات كلّها هادفة إلى إصلاح الفرد والمجموع ليُجتَنَب أكثر ما يمكن من الشرور وإن كانت في مناهج تشريعاتها تختلف بعض الشيء حتى تناسب كلُّ شريعة الطَّور الزمني الذي ظهرت فيه، لِما لكل أمّة في الأعصر المتلاحقة من أخلاق ومميزات، ومن تفاوت في النضج الفكري والعادات، فكانت كلّ شريعة تناسب الأمّة والعصر الذي جاءت فيه. قال أصدق القائلين: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾. وبموجبه لمّا ختم الله التشريع السماوي بشريعة سيّد البشر صلّى الله عليه وسلّم ولا جرم أن ضَمّنَها كلّ ما كان فيما سبقها صالحا وموفيا بما يريده الله من جلب النفع ودفع الضرّ مع مزيد من أحكام في إيصال النفع لجميع الأنام. قال سبحانه: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ﴾ [المائدة:48].
عباد الله: إنّ الدين عند الله الإسلام. وإنّ ما يصلح بنا وينفعنا شرَعه الله لنا، فجعل لنا عيدين نحتفل فيهما وخصّهما بأحكام لا تكون في غيرهما، كما شرَع لنا مواسم خيرات لنتذكّر ونغتنمها بالمزيد من الطاعات والقربات من صدقة وصيام وصلاة، ليعظم لنا الأجر وتحصل المثوبات. فما بال الكثير ممّن سكنوا دار الإسلام وصاروا يعدّون في صفوف المسلمين وينتسبون بظاهر وضعهم لهذا الدين، أرادوا تقليد غير المسلمين يحتفلون بأعيادهم ويقومون بعاداتهم بل منهم من يأتي بطقوس دينهم وينغمس في تقليدهم وما درَوا أنّ ذلك ضلال والعياذ بالله وبُعد عن هدي ربّ الأديان الذي نسخ كل الشرائع السابقة بشريعة سيد الأنام التي هي يبقى بها العمل إلى آخر الزمان، وإنّ هذا التقليد يُدخل المقلّد في صفوف من قلده حتى يعدّ من حزبهم ذلك أنّ المرء مع من أحبّ ﴿أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾.
إخواني المهتدين: إنّ هذا لا يصدر إلّا عن منافق لئيم متنكّر لهذا الدين يرى السعادة والتقدّم والحضارة والرقيّ في اتّباع أعمال غير المسلمين أو هو جاهل بعيد عن توجيهات شرع الإسلام الحنيف، الآتي بكل فضل منيف، وهذا كلّه من جرّاء البُعد عن معرفة شرعنا وتفسّخ أخلاقنا حيث بعُدنا أشواطا عن هدي ربنا، فعدمنا التوعية الدينية والهداية السماوية ولم نبق نتلقّى إلّا العلوم الدنياوية فاشرأبّت أعناقنا إلى التعاليم الأوروبية متناسين ومعرضين عن هداية ربّ الأرض والسماء.
أخي المسلم أختي المسلمة: إنّ الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هادينا ومعلمنا، كان عليه الصلاة والسلام يكره مشاركة أهل الكتاب في أعيادهم وعاداتهم فما سلكوا فجّا إلّا سلك غيره وما شرّقوا إلّا غرّب حتّى قال بعض اليهود أنّ محمدا لم يَدَعْ لنا شيئا من أمر ديننا وعاداتنا إلّا خالفنا فيه، وقد كان صلى الله عليه وسلم يصوم في أعيادهم ليشعر المسلمين بمخالفتهم وقد صدع بهذا في مقالته المشهورة: “لئن عشت قابلا لأصومنّ التاسع والعاشر” في موسم عاشوراء مخالفة لعمل الأعداء. روى الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ليس منّا من تشبّه بغيرنا لا تشبّهوا باليهود ولا بالنصارى”. لأجل هذا كره فقهاؤنا رضي الله تعالى عنهم أن نأكل من طعام الكفار الذي يهيّئونه في أعيادهم لما فيه من التشبّه بهم كما يُكره أن نعينهم على إقامة أعيادهم لما فيه من الإعانة على الضلال وإشهار أديانهم كبيع طعام أو كراء مركوب أو إجارة بيت لإقامة الطقوس الدينية. ومحلّ الكراهة يا إخواني أن لا يقصد المسلم بصنيعه هذا الإعانة والإشهار لدينهم وإلا حُرّم عليه بل ربّما يعدّ كافرا لأنّ الرضا بالكفر والإعانة عليه كفر والعياذ بالله.
إخواني المهتدين: إنّ ما نسمع مما يقع إحياء لليلة رأس السنة مما تندى له الجباه وتنفر منه بل تهرب منه الإنسانية نسمع، ويا بأس ما نعلم، ما ينفق من أثمان لشراء المسكرات المعتّقات وما إلى ذلك من المأكولات حتى قالوا أنّ ما يشترى به من أشربة روحية مجلوبة من خارج البلاد هو ما يفوق كثيرا نفقات الأضاحي لو يضحّي جميع أهل البلاد، ولكنّنا لم نسمع بنكير ولا بتذمّر لهذا التبذير، فبينما يطرق سمعنا كثيرا عبارات عدم الرضا لما يصدر من المسلمين من أثمان شراء أضاحي العيد أو ما يُؤتى من عادات لبعض العبيد.
إحياء ليلة رأس السنة بالخلاعة والمجون، بحفلات الرقص والاستهتار بتجمّع للنساء والرجال الفجار، ببيع الفضيلة بالعار، فيالها من عادات قبيحة، ومجامع فضيحة، وإنها وأيم الله لَرجوع إلى الجاهلية العمياء، والوحشية الكبرى، ولقد صدق صلى الله عليه وسلم إذ يقول: “لَتَتَبِعُنً سَنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لا تبعتموهم”.
فيا أهل القرآن ابتعدوا عن هذا الخسران واهتدوا بهدي الديّان ولا تشبّهوا بأهل الضلال ولا تنقادوا إلى إيحاء الكفار فإن متابعتهم تغضب الربّ الجبّار.
قال العزيز الغفّار محذّرا لنا من استحقاق النار: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ﴾. [آل عمران:149]. صدق الله العظيم.
الشيخ محمد الأخوة رحمه الله تعالى.
ألقيت في 1396هـ/1976م