بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه الكريم.

خطبة أولى: عيد الأضحى المبارك 1401 – 1981

الله أكبر:7: سبعا، الله أكبر لا كبير بعده. ولا عظيم غيره. الله أكبر لا مُبدئ ولا مُعيد سواه. الله أكبر مُبدِّل العسر يسرا. وجاعل بعد الضيق فرجا. من كانت مفاتيح الخير بيده. ونشر ألوية من رحمته. من وعدنا بإتمام نوره ولو كره الكافرون. وبحفض دينه رغم ما يَجِدُ فيه المبطلون. فله الحمد أوّلا وآخرا، ظاهرا وباطنا، وله التّقديس والإجلال حديثا وأزلا. الله أكبر تَعَاظَمَ وتعالى. وفوق كلّ عظيمٍ تَسَامَى. إذ هو قديم، وسواه هو مخلوق. وأين رتبة الأزليّ من المصنوع المخلوق؟ سبحان الأبديّ الآبد، سبحان الواحد الأحد، سبحان الفرد الصمد، سبحان من رفع السّماء بغير عمد، سبحان من بسط الأرض على ماء جَمَد، سبحان من خلق الخلق فأحصاهم عددا، سبحان من قسّم الرّزق فلم ينس أحدا، سبحان الذي لم يتّخذ صاحبة ولا ولدا، سبحان الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤا أحد. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر.

أمّا بعد فيا عباد الله، إنّا اليوم في ضيافة ربّنا ومولانا. إذ بسط لنا موائد الإكرام. وأنعم علينا بالتمتّع ببهيمة الأنعام. واتّسع كرمه حتّى عمّ وشمل كل بيوت الإسلام. وذلك منه تعالى تتويجا وإعلانا بتمام إنعامه. وكمال هدايته للأنام. حتّى أعلن باللّسان الواضح الفصيح الآتي لنا بكلّ مليح، والمُبعِد عن ساحتنا كلّ مشين وقبيح، حيث يقول تعالى في مثل هذا اليوم: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة:3]. فطوبى لنا بهذا الإسلام وما اِرتضاه لنا ربّنا الدّيّان. فما اِرتضاه هو بلا شكّ السّداد والصّلاح، والسّعادة والفلاح. وما نهانا عنه وحذّرنا منه هو الخُبث والطّلاح. فحريّ بنا ونحن ننتسب لهذا الدّين، وقد سمّانا من قبل أبونا إبراهيم مسلمين، أن نتّبع تعاليم هذا الدّين، وأن نحافظ على هذه التعاليم. وأن نشدّ عليها بالنواذج طوال حياتنا وحتّى نلقى مولانا ربّ العالمين، وهو راض عنّا فيما نتّصف ونأتي به في كلّ حين. سيما فيما اِتفقت عليه كلّ الشّرائع والأديان من تعاليم ربّنا الدّيّان. وهي كثيرة وسائرة المفعول طوال الزّمان. وفي مقدّمة هذه التّعاليم الاِتّصاف بالحياء، الذي هو الدّليل الدّالّ على الإمتثال لشرع ربّنا. وهو الدّرع الواقي والحامي من ولوج الرّداء وهو اللّجام الماسك عن السّوء وكلّ غواية وبغي. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر.

ففي الحديث: (مما أدرك الناس من النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت) (إنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ أَمْرِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ).

فما بال كثير، وكثير جدّا من نسائنا قد سرن في ركب قليلات الحياء العاريات، الكاشفات لعوراتهنّ بين الورى، المتتبّعات للنّساء الخليعات المتبرّجات، ظنّا منهنّ وأنّ ذلك علامة الرّقيّ والازدهار والتّقدّم. وإنّ ذلك، في الحقيقة مَجلَبَة للعار وكلّ مَنْدَمٍ، وهو تقليد سوء للأوروبيات اللّاتي بعن الفضيلة بالرذيلة. ولبسن العار، ونزعن الحياء والوقار.

عباد الله، إذا خاطبْتَ واحدة من هؤلاء النّساء المُدّعيات للتّقدّم ومُوضة العصر بأنّه يجب عليها من قِبل شرعِها ودينِ ربِّها أن تستر سائر بدنها بما يشمل شعر رأسها ورقبتها وذراعيها وأطراف ساقيها، قالت لك بلسان واضح ليس فيه الْتِواء: لا أريد أن أكون متأخِّرة منحَطَّة من درجةٍ سُفلَى من مجتمع الوَرَى. فيا سبحان الله. هل العمل بتشريعات القرآن وسنّة سيّد النّاس أجمعين هو تأخّر ودُنُوٌّ وانحِطاط؟

عباد الله، مازال القرآن يخاطبنا، وهو مُحْكَمُ الآيات، ويقول في آيات واضحات. يقول تعالى في سورة النور: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور:31].

فانطلاقا من مثل هذه الآيات البينات، قرر فقهاؤنا أنّ عورة المرأة مع مثلها، أي امرأة أخرى، مثل الرّجل مع الرّجل، من السّرّة إلى الرّكبة. وهما داخلان على المشهور. أمّا المرأة مع الرّجل، فإن كانت أجنبيّة، أي يحلّ شرعا تزويجُها من ذلك الرّجل، كزوجة الأخ وزوجة الخال والعمّ وما إلى ذلك مع الأخ والخال والعمّ، فهذه المرأة يجب عليها ستر سائر جسدها ما عدى كفَّيها وجهها، وهو المُراد بقوله: ﴿إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾. وهنا تُسفِر عن وجهها إن لم تخف الفتنة بها وإلّا وجب عليها ستره أيضا. والرّجل مع هذه المرأة، واجب عليه أن لا يكشف إلّا الأطراف: الرّأس والعنق والذّراعان والسّاقان، دون الصّدر والظّهر وبقية الجسد. وإن كانت المرأة مع رجل مَحْرَم كالأب والابن والعمّ والخال وما إلى ذلك، فلها أن تكشف كذلك الأطراف والرّأس والعنق. هذا بالنّسبة لها، أمّا الرّجل المَحْرَمُ، فله أن يكشف جسده، ما عدى ما بين السّرّة والرّكبة. فيكون وضعه إذا كوضع الرّجل مع الرّجل. لأجل هذا، إذا كان الرّجل والمرأة بجمع خليط لا تمييز فيه، عليهما شرعا أن يراعيا الوجه الأكمل والأحوط في التّستّر. فإذا كان كلّ منهما بالطّريق العامّ أو بمحلّ العمل أو الإدارة أو المدرسة أو المعهد أو الكلّيّة ونحو ذلك، كان على كلّ واحد ستر سائر الجسم ما عدا الوجه والكفَّين في حقّ المرأة، وما عدا الرّأس والعنق أو الأطراف في حقّ الرّجل. ولا بدّ أن يكون السّاتر غير شفّاف ولا مُزركش حتّى لا يكون كالعدم. أن لا يكون مصوِّرا، أي ضيقا، كالسراويل المعروفة المشاهدة التي تصور ما تحتها دون احتراز، فمثل هذا كالعدم. وهو معنى قوله تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر.

عباد الله، هذا حكم الله وأمْر ونهْي من عنده للاِتصاف بالحياء وستر عورات الورى. وهذا المقدار من السّترة هو الدّين وسنّة ورسول الله للنّاس أجمعين. فليس لطائفة ولا لنحلة ولا لشيعة أو خارجية أو إخوانجية. إذ الإسلام لا يعرف الطائفيّة ولا النحل والتفرقية، بل هو ملّة إبراهيمية جاء تأكيدها وترسيخها وتوضيحها من منهج سنّة رسول الإنسانيّة، محمد بن عبد الله المنقذ من الحضيض لعموم البشريّة. قال عليه الصّلاة والسّلام فيما رواه ابن عبّاس رضي الله عنهما: (وَقَدْ مَرَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَجُلٍ فَخِذُهُ عَارِيَةٌ فَقَالَ: غَطِّ فَخِذَكَ فَإِنَّ فَخِذَ الرَّجُلِ مِنْ عَوْرَتِهِ). كما رُوي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنّ النّبيء صلّى الله عليه وسلّم قال: (لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلَا تَنْظُرُ المَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ المَرْأَةِ). وفي حديث آخر قيل: (يا رسولَ اللَّهِ عورتُنا ما نأتي منها وما نذرُ قالَ: غطِّ عورتَك إلَّا مِن زوجتِك أو ما ملكتْ يمينُك قلتُ: فإذا كانَ القومُ بعضُهم في بعضٍ قالَ: إن استطعت ألّا يراها أحدٌ فلا يريَنَّها قلتُ: فإذا كانَ أحدُنا خاليًا قالَ: فاللَّهُ تبارك وتعالى أحقُّ أن يُستَحيَى مِنهُ). ثمّ جَماع هذا وملاكه قول الله جلّ وعلا مُخاطِبا كلّ بني آدم من الورى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ﴾ [الأعراف:26]. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر.

عباد الله، كونوا مُتّقين تَسْعَدُوا دنيا وأخرى وتكونوا من المفلحين. وسارعوا إلى مغفرة من ربّكم وجنّة عرضها السّماوات والأرض أُعِدّت للمُتّقين. واِعلَمُوا عِلم اليَقين أنّ ما ينفعُكم يقينا هو مَرضاة ربّ العالمين. باتّباع هَدي الدّين والعمل بسنّة سيّد المرسلين صلّى الله عليه في كلّ وقت وحين، من جاء بشيرا ونذيرا لكل العالمين. فإنّ هَديَه هو الدّائم، ودينه هو القائم، وصلاحَه هو الباقي. أمّا سراب التّضليل والخداع والنّفاق والسّير وراء ركب الكفّار والفَجَرة الفُجَّار، فإنّه لا يكاد أن ينطفئ ويعود لهيبه رمادا. وتنفَجِر الحقيقة، فتقتُل الرّذيلة. قال تعالى: ﴿أَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً، وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ﴾. [الرعد:19].

يا قومي في يومنا هذا، وفي شهرنا هذا، وفي عامنا هذا، وفي جمعنا المبارك أُعْلِنُها جهرة أنّه لا حياة ولا استقرار ولا سعادة لكلّ الأنام. إلّا بالرّجوع للعمل بشرعنا واِتّباع هَدي رسولنا ونشر سنّة حبيبنا وقرّة عيننا صلّى الله عليه وسلّم. قال جلّ وعلا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ ۚ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا. بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا. الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ [النّساء:136–139]. صدق الله العظيم. الله أكبر.

اللّهمّ فاشهَد أنّي قد بلّغت.

مقالات مقترحة