شهر شعبان

هو شهرٌ يُستحبُّ الصومُ فيه، وقد كان رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – يُكْثِر صومَه، حتى ورد في الصحيح من طرق كثيرة أن رسولَ الله لم يكن يصوم شهرًا كاملًا دون شهر رمضان إلا شهر شعبان.
وليس لشهر شعبان فضيلةٌ غير هذه. وأما ما رُوي أن رسول الله قال: “فضلُ شهر شعبان على الشهور كفضلي على سائر الأنبياء”، فهو حديثٌ موضوع. ولعل هذا الحديث هو الذي حمل الكتَّابَ على أن يُتْبِعوا اسمَ شعبان بوصف الإكرام، وهو فضولٌ زائد كما قلناه في شهر رجب. وقد تقدم آنفًا الكلامُ على حديث “رجب شهر الله، وشعبان شهري”، إلخ. وقد شاع عند كثير من الناس أن لليلة النصف من شعبان فضائلَ ومزايا خاصة:
1 – منها اعتقادُهم أن فيها صلاةً خاصة يروون فيها كيفيات: منها كيفيةٌ في حديث يُروى بطرق عن علي بن أبي طالب وابن عمر وجماعة من الصحابة مرفوعًا، أن مَنْ صلَّى ليلةَ النصف من شعبان أعدادًا مختلفة الركعات بأعداد من فاتحة الكتاب وسورة الإخلاص أعطاه الله خيراتٍ في الدنيا والآخرة، وُصفت في ذلك الحديث وصفا طويلًا ركيكًا. وهو حديثٌ موضوع بجميع طرقه، وعلى اختلاف رواياته لاختلال أسانيده.
ولِمَا عليه من سمة الوضع في ثقله وإسهابه، قال الحافظ علي بن سلطان المكي: “أحاديثُ صلاة ليلة النصف من شعبان كلُّها باطلة، والعجبُ ممن يشم رائحةَ العلم بالسنة كيف يغتر بمثل هذا الهذيان ويصليها. وهذه الصلاة وُضعت في الإسلام بعد الأربعمائة، ونشأت ببيت المقدس؛ وضع لها عدةُ أحاديث لا يصح منها شيء”. قال ابنُ العربي في العارضة: “وقد أولع الناسُ بها في أقطار الأرض”.
ومنها ما روَوْهُ في صوم يوم النصف منه وقيام ليلته، وقد رُويَ في ذلك حديثٌ ضعيف في سنن ابن ماجه.
2 – ومنها اعتقادُهم أن ليلة النصف من شعبان يغفر الله فيها ذنوبًا كثيرة. وقد روي في ذلك حديث في سنن الترمذي وابن ماجه بسند واحد عن عائشة مرفوعًا، قال الترمذي: سمعت محمدًا يضعف هذا الحديث. وروى ابنُ ماجه في ذلك حديثًا آخر هو أيضًا ضعيف، ورُويت أحاديثُ أخر قريبةٌ من هذا المعنى لا تخرج عن حالة الضعف.
3 – ومنها اعتقادُهم أن ليلةَ النصف من شعبان يميز فيها مَنْ يعيش في العام التي هي مبدؤه، ومَنْ يموت من الناس. وقد انجر لهم ذلك الاعتقادُ من كلام بعض القصاصين من المفسرين؛ إذ جعلوا ليلةَ نصف شعبان هي الليلة التي في قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)} [الدخان: 3 – 4] وجعلوا معنى يفرق أي يقضى، وجعلوا معنى الأمر الحكيم هو الأرزاق والآجال.
قال ابن العربي في العارضة: “وهذا باطل؛ لأن الله لم ينزل القرآن في شعبان، [وإنما قال: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ}، أي في رمضان]، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ} [البقرة: 185]، فهذا كلامُ مَنْ تعدَّى على كتاب الله ولم يبال ما تكلم به، ونحن نحذركم من ذلك وأنه قال: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}، وإنما تقرر الملائكةُ الأمورَ في ليلة القدر المباركة لا في ليلة النصف من شعبان”.
4 – ومن خرافات العوام بتونس زعمهم أن مَنْ يقف في ضوء القمر ليلةَ النصف من شعبان وينظر إلى ظل عنقه في ضوء القمر إن وجد ظِلَّ عُنقِه واضحًا فهو حي في تلك السنة، وإن لم يجد لعنقه ظلًّا بل وجد ظلَّ رأسه متصلًا بظل كتفيه، فهو ميت في تلك السنة.
وهذا جهلٌ واختلال مبين؛ فإن امتدادَ الظل وانقباضَه يتبع موقعَ سمت القمر من جسد الواقف في ضوئه، فيكون القمر في أول طلوعه في الأفق وما يقرب منه في سمت جانب الجسم فيظهر ظله طويلًا، ويكون في أواسط الليل في كبد السماء فيُسَامِتُ أعلى الجسم، فيظهر ظلُّ الجسم قصيرًا، فلا يبدو ظلُّ العنق.
بقلم فضيلة الإمام محمد الطاهر ابن عاشور
المجلة الزيتونة، المجلد الثاني، العدد الأول.

مقالات مقترحة