بعضهم أولياء بعض[1]

مع كتاب الله تفسير الشيخ عمر العداسي

قال الله تعالى : (( والمؤمنون و المؤمنات بعضهم أولياء بعض …)) ( التوبة : 71_72)

نوّه الله تبارك وتعالى بشأن المؤمنين والمؤمنات القانتين والقانتات، وعظمهم، ورفع ذكرهم، لاعتصامهم برابطة الإيمان بالله ورسوله وظهور آثارها فيهم يتولى بعضهم تدبير شؤون بعض ، ويأمره بالإيمان و الطاعات ، وينهاه عن الكفر والمعاصي . ويتعاون الجميع عن البر والتقوى ، ويتواصون على الثبات على الحق ، يحافظون على صلواتهم ، بخشوع ، ويؤدون زكوات أموالهم  طيبة بها نفوسهم ، ولا يخالفون لله نهيا ولا أمرا ، ويتّبعون الرسول صلّى الله عليه و سلّم فيما جاء به ، أولئك يحبهم الله ، فتنالهم رحمته ،    ( إنّ رحمة الله قريب من المحسنين ) .

وقد وعدهم ربهم وعد الصّدق في الدنيا ، وأنجز وعده و أوفى ( ومن أوفى بعهده من الله ) .

حيث قال : ( وعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ، وليمكّنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ، وليبدلنّهم من بعد خوفهم أمنا ، يعبدونني لا يشركون بي شيئا ) .

نصرهم بعد الذلّة ، وكثّرهم بعد القلّة ، وأغناهم بعد العيلة . وقهر بهم المشركين واليهود والنصارى في جزيرة العرب ، وملّكهم مدائن كسرى وخزائنه ، وقضى بهم على ملك الفرس والروم ، وامتن الله بذلك على المؤمنين إذ قال : ( وكان حقّا علينا نصر المؤمنين ) .

ووعدهم في الآخرة المساكن الطيّبة من اللؤلؤ والياقوت الأحمر والزبرجد . والنعيم الدائم في جنات تجرى الأنهار من تحت غرفها وأشجارها . ( جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب ، إنه كان وعده مأتيا ، لا يسمعون فيها لغوا إلاّ سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا ، تلك الجنّة التي نورث من عبادنا من كان تقيّا ) .

لا يعتريهم فناء ولا تغيّر من يدخلها لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه. وفوق ذلك يرضى الله ولا يسخط عنهم أبدا، فالقليل من رضوان الله خير من الجنّة ونعيمها ( وذلك هو الفوز العظيم ).

في الحديث النبوي الشريف ، عن مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن عطاء بن ياسر ، عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم : (( إنّ الله عزّ و جلّ يقول لأهل الجنة :

يا أهل الجنّة …

فيقولون لبيّك ربّنا و سعديك، والخير في يديك.

فيقول :  هل رضيتم ؟

فيقولون: ومالنا لا نرضى يا ربّ، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك ؟

فيقول : ألا أعطيكم أفضل من ذلك ؟

فيقولون: يا ربّ وأيّ شيء أفضل من ذلك ؟

فيقول: أحلّ عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبدا )).

هذه حال عباد الله المتقين، ظاهرا وباطنا في العاجلة والآخرة، الممثلة في تماسكها بالبناء يشد بعضه بعضا والمشبّهة في ترابطها بأعضاء الجسد الواحد.

جاء في الصحيح : (( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا )) وشبك بين أصابعه.

وقال : (( مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم و تعاطفهم ، كمثل الجسد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى )) .

ويقابل حال المؤمنين والمؤمنات الحميدة مقابلة الضدّ حال المنافقين والمنافقات والكفار الذميمة ، المحكية في آيات سبقت قوله جلّ وعلا : (والمؤمنون والمؤمنات …) ، بقوله تعالى : ( المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض ، يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم . نسوا الله فنسيهم ، إنّ المنافقين هم الفاسقون . وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنّم خالدين فيها ،  هي حسبهم ، ولعنهم الله ، ولهم عذاب مقيم . كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة ، وأكثر أموالا وأولادا ، فاستمتعوا بخلاقهم ، فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم ، وخضتم كالذي خاضوا. أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون . ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود ، وقوم إبراهيم ، وأصحاب مدين ، والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبيّنات فما كان الله ليظلمهم ، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) . (التوبة 67_70)

ذمّهم القرآن أقبح ذم، وفضحهم بكشف ما كانوا يسرون من الكفر بالله، والعداوة لرسوله والمؤمنين، ووصفهم بأخبث الأوصاف، فقال : ( بعضهم من بعض ) أي ليسوا من المؤمنين في شيء، ولكنهم متحدون في النفاق ، فكأنهم شيء واحد لا يمتّون إلى عقيدة الإسلام وشريعته بسبب ، فهم لذلك يتأمرون بالكفر والمعاصى ، ويتناهون عن الإيمان والطاعات ، ويقبضون أيديهم عن نصرة الإسلام بالجهاد ، وعن الإنفاق في سبيل الله لتخفيف الشدة على فقراء المسلمين . تركوا طاعة الله ، وغفلوا عن ذكره ، فترك الإحسان إليهم ووعدهم جهنم وبئس المصير ، وطردهم من فسيح رحمته ، ولهم في حياتهم الدنيا ما يقاسونه من عناء النفاق ، ومخالفة ظاهرهم للباطن ، خائفين دائما من المسلمين ، ومن الفضيحة ونزول العذاب إن اطلع على أسرارهم .

وشبههم _ على طريقة الالتفات _ بمن خلوا من قبلهم ، منهمكين في المتع والملذات الدنيوية ، والخوض في الباطل، الذين كانت عاقبتهم الهلاك والدمار ، بسبب كفرهم بالله، وتكذيبهم لرسله ، واستهزائهم بآياته .

ولزيادة البيان ، يحسن التعرض لمعاني بعض كلمات وردت في النص القرآني الذي نحن بصدد تفسيره  ولإعراب بعض . فأقول وبالله التوفيق :

1_أولياء: جمع وليّ. و هو يرد في اللغة لعدة معان . و المراد هنا : الناصر ، و منه، ( الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور ) . مأخوذ من الولاية ( بفتح الواو وكسرها ) بمعنى النصرة فكلّ من ولي أمرا لغيره فهو وليّه وواليه ، ويجمع الأول على أولياء ، و الثاني على ولاة ( بتخفيف اللام لا  بتشديدها كما ينطق به بعض المثقفين ).

فإن قلت: لم عبّر في جانب المؤمنين ببعضهم أولياء بعض، وفي جانب المنافقين ببعضهم من بعض ؟

قيل في الجواب في عن ذلك:

إنّ المنافقين والمنافقات يشبه بعضهم بعضا في النفاق ومعاداة المسلمين ، فكانوا كالشخص الواحد على دين واحد ، وهذا كما تقول لمن تحبه أنا منك وأنت منّى ، ولمن تبغضه لست منك ولست منّى ، فلا ولاية تشملهم ، ولا عقيدة توحيد تجمعهم ، ولا شريعة حق يشتركون فيها ، فناسبهم التعبير بمن الدالة على البعضيّة والجزئيّة .

وعلى خلاف ذلك المؤمنون  والمؤمنات ، فإنّ أخوة الإسلام بينهم تقتضى أن يحب المسلم لأخيه من الخير ما يحب لنفسه ، وأن ينصره غاب أم حضر .

2_المعروف : هو الإيمان ، والطاعة لله ورسوله .

3_المنكر : هو الكفر والمعاصي .

قال أبو العالية : (( كل ما ذكر في القرآن من الأمر بالمعروف فالمراد به : الدعوة الى الإيمان بالله وتوحيده ، وكلّ ما ذكر في القرآن من النهي عن المنكر فالمراد منه : ترك عبادة الأوثان والشيطان )) .

هذا و إنّ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر من أخص صفات المؤمنين ، فهما مطلوبان من البرّ والفاجر . لذا قيل : ( يجب على شارب الكأس أن ينهى الجلاس )) وإن كان قليل الجدوى .

وإنّما ذمّ التارك لما لما أمر به ، والنّاهى عمّا هو فاعله كما في قوله تعالى : ( أتأمرون النّاس بالبر وتنسون أنفسكم ؟ ) و قوله : ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون ؟ كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون ) .

ذمّ في الأول على الترك فقط لا على الأمر .

و في الثاني على فعله للمنهي عنه لا على نهيه للغير .

وفي الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر كلام مستفيض في المطولات يرجع إليه من شاء .

4_ يقيمون الصلاة : في إقامة الصلاة أقوال للعلماء عدّة أظهرها : أداؤها بشروطها وأركانها و سننها ومستحباتها في أوقاتها .

5_ ويؤتون الزكاة : إيتاء الزكاة : إعطاؤها من الكسب الطيب ، لمستحقيها ، مع رضا وامتثال .

6_ أولئك : أشير إلى الموصوفين بالصفات الجميلة بإشارة البعيد ، إيماء إلى علوّ درجتهم ، وبعد منزلتهم .

7_ سيرحمهم الله : وعد من الله بالرحمة لمن أشير إليهم بأولئك . واقترن هذا الوعد بالسيّن لتخلصه إلى الاستقبال ، مع زيادة التقرير . ومثله قوله عزّ و جلّ : ( إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودّا ) .

جاء في الحديث : (( يعطى المؤمن مقة في قلوب الأبرار ، ومهابة في قلوب الفجّار)).

ومثل السّين في التأكيد و التقرير ، والدلالة على التأخير : سوف ، نحو قوله تعالى : ( والذّين آمنوا بالله و رسله أولئك سوف نأتيهم أجورهم ) . وقوله : ( ولسوف يعطيك ربّك فترضى ) .

8 _ عزيز : معناه ، غالب لا يعجزه شيء عن انجاز وعده للمؤمنين ، ووعيده للمنافقين و الكافرين .

9_حكيم : يضع كلّ شيء في موضعه ، ويخص من يشاء بما يشاء من الصفات والحظوظ .

10_ وعد : يقال : وعده الخير و بالخير ، ووعده الشرّ و بالشرّ ، إذا قال له سأصنعه معك .

ويقال أوعده الخير أو الشرّ ، وأوعده بالشرّ .

ولا يدخل حرف الجرّ مع أوعده إلا على الشرّ ، قال الشاعر :

أوعدنى بالسّجن و الأداهم

رجلي فرجلي شثنة المناسم  .

الأداهم : جمع أدهم ، ومعناه القيد من الحديد كما ورد في قصة الحجاج بن يوسف الثقفي ، والى العراق ، مع القبعثرى ، حيث تهدد الأول الثاني قائلا : لأحملنّك على الأدهم، يريد  : قيد الحديد  .

فقال القبعثرى : مثل الأمير يحمل على الأدهم و الأشهب ، يريد الفرس الأسود حاملا للكلام على خلاف مراد المتكلم به . قال الحجاج و يحك إنّه لحديد ، يقصد المعدن المعروف. فقال القبعثري لأن يكون حديدا خير من أن يكون بليدا الخ .

ورجلى ، بدل من ياء المتكلم بدل بعض من كل . وشئنة المناسم ، أي : غليظة الأصابع مع خشونتها .

فإذا لم يذكر مع مادة وعد لفظ الخير و لا لفظ الشر نظر إلى المصدر ، فان ذكر الوعد أو العدة أو الموعدة ، فالمراد خير ، وان ذكر الوعيد . فالمراد منه الشر . وإلاّ فالثلاثي للخير ، والمزيد للشر ، وجاء عليه قول الشاعر :

وإنّي ، وإن أوعدته أو وعدته

لمخلف إيعادى و منجز موعدي

ذلك أن الوعد ناشىء من صفة الكرم ، وهي لا تتغير ، والإيعاد والتهديد بسبب الغضب ، وقدّ يسكن الغضب ، ويحلّ محله الرضا في الشاهد .

وتكملة للفائدة نتعرض إلى بعض ما ورد في الآيات المتعلقة بالحديث عن حال المنافقين أيضا :

11_كالذين من قبلهم : من أساليب البلاغة في الكلام العربي ، المقتضية لتجديد نشاط السامع و إقباله : الالتفات ، الذي هو مجيء الكلام على خلاف ما يقتضيه الحال وانتقاله من غيبة – ومنها الاسم الظاهر – أو خطاب أو تكلم إلى آخر منها .

وقد وقع هذا الالتفات في أثناء عرض أحوال المنافقين هنا مرتين .

الأولى : ضمائر المنافقين في قوله : كالذين من قبلكم ، كانوا أشّد منكم قوة ، وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم ، وخضتم كالذي خاضوا ) .

بعد التعبير عنهم بالاسم  الظاهر ( المنافقون و المنافقات ) ، أي أنتم تشبهون الذين حلوا من قبلكم في الحال السيئة ، والمآل الأسوأ . وهذا انتقال من الاسم الظاهر الذي هو من قبيل الغيبة ، إلى الخطاب ، على طريق الالتفات .

الكاف : بمعنى مثل ، خبر مبتدأ محذوف أي أنتم مثل الذين خلوا من قبلكم .

أو هي في محل نصب ، صفة لمصدر محذوف ، أي فعلتم فعلا مثل فعلهم .

اختلف في لفظ (( الذي )) في قوله : ( وخضتم كالذي خاضوا ) فقيل : هو حرف مصدري ، أي خضتم في الباطل كخوضهم ، وهذا مذهب ضعيف لبعض النحاة .

والصحيح انه اسم موصول مختص بالمفرد ، لا يستعمل في غيره ، وبناء عليه يقدّر مفرد لفظا كالفوج والفريق .

وقيل هو موصول مشترك بين المفرد و الجمع مثل من .

الثانية : الرجوع إلى التعبير عن المنافقين بضمير الغيبة ، في قوله تعالى : ( ألم يأتيهم نبأ الذين من قبلهم ) .

وقد أبدل من الذين من قبلهم بدل مفصّل من مجمل ، قوله : ( قوم نوح ) وما عطف عليه ، وهم :

_ عاد : قوم هود ، وثمود : قوم صالح ، و قوم إبراهيم : نمرود ابن كنعان و من معه ، وأصحاب مدين : قوم شعيب ، والمؤتفكات : المدائن المنقلبات على قوم لوط ، عليه وعلى سائر الأنبياء أفضل الصلاة والسلام .

فان قلت : المؤتفكات هي قرى قوم لوط التي قلبها الملك بإذن الله على أهلها ، وجعل عاليها سافلها . وجاء التعبير عنها بالمفرد مرادا به الجنس ، قال الله تعالى :

(والمؤتفكة أهوى ) : أي أسقطها الملك من أعلى إلى أسفل ، ( فغشّاها ما غشى ) والبنيان لا يصلح أن يكون بدلا وبيانا للذين من قبلهم ، إذ هو من غير جنسهم .

والجواب عن ذلك : إنّ الكلام على حذف مضاف من باب : المجاز بالحذف ، على حدّ قوله تعالى ( واسأل القرية ) ، ( وجاء ربك ) أي أهل القرية ، وأمر ربك .

12_( ويقبضون أيديهم ، نسوا الله فنسيهم ) : استعمل هنا قبض اليد في ترك الزكاة ، وترك الجهاد ، ومنع الحقوق الواجبة ، مجازا مرسلا من إطلاق الملزوم وإرادة اللازم .

واستشكل قوله تعالى : ( نسوا الله فنسيهم ) بحسب الظاهر .

أولا : النّاسي غير مؤاخذة بنسيانه ، فكيف توّجه إليه هنا الذّم و العقاب ؟

وثانيا : كيف أسند النسيان إلى الله جلّ جلاله ، و هو منزّه عن كل نقص ، وموصوف بكل كمال وجلال : ( الله لا اله إلاّ هو الحي القيوم لا تأخذه سنة و لا نوم ) . ( لا يضل ربي و لا ينسى ) .

والجواب عن الإشكالين واحد ، وهو أن المراد من النسيان : الترك ، من إطلاق الملزوم و إرادة لازمه ، كما وقع في سابقه .

والآن ، يجدر أن نعود إلى صدر النّص القرآنى الذي بدأنا منه ، لنقف على شيء مما احتواه من توجيه إلهي في ولاية المؤمنين بعضهم لبعض .

13 _ ( والمؤمنون و المؤمنات ) أي المتصفون بالإيمان ، وهو التصديق بوجود الله الواحد ، ذي الجلال و الإكرام ، وبرسالة محمد صلى الله عليه و سلّم ، رحمة للعالمين ، والموصوفون بأن بعضهم ولى بعض ، وناصر له ، يأمره بالمعروف ، وينهاه عن المنكر، وبأنهم يطيعون الله ورسوله ، وخصوصا بفريضتي الصلاة والزكاة .

فأل في قوله تعالى : ( وعد الله المؤمنين ) للعهد أو للكمال .

وقد جاء تقييد الوعد بالأعمال الصالحة في مواضع كثيرة، منها:

قوله تعالى : ( وعد الله الذين آمنوا و عملوا الصالحات لهم مغفرة و أجر عظيم ) من سورة المائدة .

وقوله : ( وعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض ) من سورة النور  .

وقوله : ( وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة و أجرا عظيما ) . من سورة الفتح .

وممّا تنبغي الإشارة إليه هنا ، إنّ الإيمان قد فسر بالتصديق بالله، وبما جاء به رسوله محمد بن عبد الله صلى الله عليه و سلّم . و جاء في الحديث الشريف : (( الإيمان أربعة وستون شعبة أعلاها : لا اله إلاّ الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق )) .

وظاهر أنّ الإيمان أقوال وأفعال ، فكيف يجمع بينهما ؟

والجواب ، الذي يندفع به اللبس و يزول به الأشكال ، هو أن يقدّر في الحديث مضاف، أي ثمرات الإيمان و فروعه أربعة و ستون شعبة … الخ ، مع بقاء الإيمان على معناه السابق الذي هو التصديق .

وختاما لهذه العجالة أقول : إنّ المحبة في الله والبغض في الله باب عظيم في الدّين الإسلامي .

من أجل ذلك جعل الله في ولاية المؤمنين بعضهم لبعض ، مندوحة عن موالاة غير المؤمنين .

وقد ورد في القرآن العظيم النّهي  مكرّرا عن اتخاذ المؤمنين أولياء وأنصارا من اليهود والنصارى ، والمنافقين والكافرين .

ذلك أن المؤمنين أولياء الله ومطيعوه فلا يصح لهم الجمع بين المتنافيين ، موالاة الله سبحانه ، وموالاة أعدائه . قال الشاعر :

تود عدوّى ثمّ تزعم أننّى

صديقك ليس النّوك عنك بعازب

النوك : الحمق . و عازب : غائب .

قال الله جلّ شأنه : ( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون ، ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء[2]) أي ليس له ولاية لله مع موالاة الكافرين ، لأن الضدّين لا يجتمعان ( إلاّ أن تتقوا منهم تقاة ) (1) أي إلا في حالة الخوف على النّفس والمال ، فيجوز حينئذ فقط إظهار الموالاة مع إبطان المعاداة لهم .

قال تعالى : ( يا أيّها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين . أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا[3]) . أي حجّة ظاهرة لتعذيبكم .

وقال سبحانه : ( يا أيّها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود ولا النصارى أولياء . بعضهم أولياء بعض ومن يتولّهم منكم فانه منهم [4]) .

هذا تغليظ وتشديد لوجوب مجانية المخالف في الدّين .

وقال تبارك و تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزؤا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم و الكفار أولياء ، واتقوا الله إن كنتم مؤمنين [5]).

وقال عزّ وجلّ : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آبائكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان . ومن يتولّهم  منكم فأولئك هم الظالمون . قل إن كان آباؤكم وأبنائكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبّ إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره [6])

وقال تعالى : ( لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حادّ الله ورسوله، ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم [7]) .

وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوّى وعدوّكم أولياء تلقون إليهم بالمودّة وقد كفروا بما جاؤكم من الحقّ [8]) .

اللّهم حبب إلينا الإيمان . وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان ، واجعلنا من حزبك لا من حزب الشيطان يا رحيم يا رحمن .

 

[1] – مجلة الهداية، ج4، عدد1، ص5.

[2] سورة آل عمران ، الآية : 28

[3] سورة النساء ، الآية : 144

[4] سورة المائدة ، الآية 51

[5] سورة المائدة ، الآية :57

[6] سورة التوبة ، الآياتان : 23_24

[7]  سورة المجادلة ، الآية : 22

[8] سورة الممتحنة ، الآية1

مقالات مقترحة