من الناس من يعد نفسه من ذوي الأخلاق الفاضلة، وهو مولع بلعب القمار، وهذا لا يعد في نظر الشارع وأهل الفضل ذا أخلاق كريمة؛ فإنه قصد إلى الاستيلاء على مال غيره بغير حق، فهو والسارق سواء، لا فرق بينهما، إلا أن السارق يمد يده إلى مال غيره بوجه خفي، والمقامر يمد يده إلى مال غيره، ولا يدري هل يصل إليه، أو يستولي غيره على ماله، فيبقى حزيناً كاسف البال، وهو على كلتا الحالتين منظور إليه بمقت وذم، ففي الحالة الأولى ممقوت؛ لأنه استولى على مال غيره بغير حق من عمل أو أمر آخر، وفي الحالة الثانية مذموم محتقر؛ حيث طمع في مال غيره، ومد يده إليه، غير أنه لم يصل إليه.
فالشارع الحكيم أباح للإنسان أن يتمتع بما كان ملكاً لغيره إن دفع له في مقابله عملاً أو شيئاً كان في ملكه، فقال تعالى: ﴿لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 29].
وصاحب القمار لم يتاجر بماله، بل تاجر بأخلاقه قبل كل شيء.
ولا يغرنك فعل الأمم الأوربية، واكتفاؤها برضا صاحب المال في ظاهر الأمر؛ فإنه إذا أخذ منه المال، انقلب رضاه غيظاً؛ بخلاف من اكتسب بماله عملاً، أو بضاعة ينتفع بها.
والشارع الحكيم راعى في المعاملات أن تكون عن رضا من صاحبها ظاهرا وباطنا، وذلك وجه إباحته للتجارة، وحلّه للبيع، ومنعه من القمار، وإذا كان الأوربيون أغنياء، فإن لديهم معامل ومزارع متقنة، والقمار قليل بالنسبة إلى مصانعهم ومزارعهم وتجارتهم، والشارع الحكيم يحرّم على المسلمين أن يدفعوا مالهم طمعاً في أن ينالوا من إنسان آخر مثله، فيعودوا بالمالَيْن جميعاً، فمن المحتمل أن يذهب مال المقامر جملة، ولا يصل به إلى عمل أو إلى بضاعة.
المصدر: أحاديث في رحاب الأزهر