بسم الله الرحمان الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

خطبة أولى في شكر الله على نزول الغيث

 

الحَمْدُ لله مُيَسِّر الأُمُور. مُبَدِّل العُسْرِ يُسْرًا وجابِر المَكْسُور. أَحْمَدُهُ حَمْدًا يَلِيقُ بجَلالِه. وأشكُره شُكرا عميقا من إفضاله، وشُكْره مِن جُملة إِنْعامه. وأَشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن سيدَنا محمدًا بالهُدَى وبالخَيْر أرْسَلَه. صلى الله وسلم عليه وعلى آلِه الأبرَار. وعلى التَّابِعِين وكلِّ مَن تَبِعَهُم إلى يوم إفْشَاء الأَسْرَار.

أمَّا بَعد، فيا عباد الله إنّ جَزاء الصَّبر الإِنْعَام. حيث مَنَّ الله علينا بالمطر بعد قُنُوط ويَأْسٍ وحَرّ. فَلْنُقَيِّدْ نِعَمَ الله بالشُّكْر. حتَّى نَنْعَمَ بِنَتِيجَة قوله تعالى: ﴿وَلَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾. فقد جعل ربِّي جَزَاء الشُّكر الزِّيَادَة في الإِنْعَام دُونَ تَعْلِيقٍ عَلَى مَشِيئَةٍ أَوْ مَرَامٍ. ويَكْفِيكُم يا عِبَادَ الله تَحْرِيضًا عَلَى الشُّكْرِ ومُتَابَعَةِ خُطَاهُ أَنَّ الله تعالى عَلّقَ إحْسَانَهُ بِمَشِيئَتِهِ في خَمسَة أَشْيَاءَ: في التَّوْبَة والمَغْفِرَة والإِجَابَةِ والرٍّزْق والإِغْنَاء. فقال تعالى في التَّوبَة: ﴿وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَن يَّشَاءُ﴾. وقال تعالى في المَغْفِرَة: ﴿وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ﴾. وقال تعالى في الإِجَابَة: ﴿فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِن شَاءَ﴾”. وقال تعالى في الرِّزْقِ: ﴿وَيَرْزُقُ مَن يَّشَاءُ﴾. وقال تعالى في الإِغْنَاءِ: ﴿فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ﴾. وقَطَعَ فِي الوَعْد بالمَزِيدِ عَلَى الشُّكْر بِدُونِ اسْتِثْنَاء وحَتَّى أنّ الشَّيطَان اللَّعِين اخْتَارَهُ للقُعُود فيه لِيَصُدَّ المُؤْمِنِين، فقال: ﴿لَآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾.

فكونوا يا عِباد الله من الشّاكرين ولا يَصُدَّنَّكم الشّيطان. إنّه لكم عدو مُبين. عن عكرمة عن ابن عبّاس رضي الله عنهما عن النّبيء صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: (مَن أَنعَم على رجل نِعْمة فلَم يَشكُر له فَدَعَا عليه أُسْتُجِيبَ لَهُ). وعن علي بن الحسين رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إِنَّ المُؤْمِنَ لَيَشْبَعُ مِنَ الطَّعَامِ فَيَحْمَدُ اللهَ تَعَالَى فَيُعْطِيهِ مِنَ الأَجْرِ مَا يُعْطِي الصَّائِمَ القَائِمَ. إِنَّ اللهَ شَاكِرٌ يُحِبُّ الشَّاكِرِينَ). وعن محمد بن علي: (مَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً إِلَّا كُتِبَ لَهُ شُكْرُهَا قَبْلَ أَنْ يَحْمِدَهُ عَلَيْهَا. وَمَا أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ اللهَ قَدْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَغْفِرَهُ، إِلَّا غَفَرَ اللهُ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَغْفِرَهُ). وعنه صلّى الله عليه وسلّم قال: (إِذَا وَصَلَتْ إٍلَيْكُمْ أَطْرَافُ النِّعَمِ فَلَا تُنْفِرُوا اتِصَالَاتِهَا بِقِلَّةِ الشُّكْرِ). وقال حكيم: “الشُّكْرُ ثَلَاثُ مَرَاتِبَ: ضَمِيرُ القَلْبِ، وَنَشْرُ اللِّسَانِ، وَمُكَافَأَةُ اليَدِ”. وعن النعمان بن بشير أنّه قال: قال رسول الله: (مَنْ لَمْ يَشْكُرْ القَلِيلَ لَمْ يَشْكُرْ الكَثِيرَ وَمَنَ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرْ اللهَ وَالتَّحَدُّثُ بِالنِّعَمِ شُكْرٌ). وقال عليه السلام: (إِذَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً فَظَلَمَ بِهَا إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُزِيلَهَا عَنْهُ). وقال عمر بن العزيز: “تَذَكَّرُوا النِّعَمَ فَإِنَّ ذِكْرَهَا شُكْرٌ”. وقال أبو حازم: “شُكْرُ العَينَينِ إِذَا رَأَيْتَ بِهِمَا خَيْرًا ذَكَرَتْهُ وَإِذَا رَأَيْتَ بِهِمَا شَرًّا سَتَرْتَهُ وَشُكْرُ الأُذُنَيْنِ إِذَا سَمِعْتَ بِهِمَا خَيْرًا حَفِظْتَهُ وَإِذَا سَمِعْتَ بِهِمَا شَرًا نَسِيتَهُ وَشُكْرُ اللِّسَانِ مَا قَالَهُ رَبُّ العِزَّةِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى:11].

جعلني الله وإيّاكم من الصّابرين الشّاكرين وأدخلني وإيّاكم في حزب عباده المُفلحين ووفّقني وإياكم لمتابعة مرضاتِه في كلّ وقت وحين

عباد الله اسمَعُوا وعُوا كلام مولانا الكريم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾.

{ قال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَٰكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَٰكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُواْ لِآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّٰاجِدِينَ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ). [الأعراف:11-17] }

الشيخ محمد الأخوة رحمه الله تعالى

مقالات مقترحة