بدعة فصل الدين عن السياسة (1)

الإمام الأكبر محمد الخضر حسين

اطلعنا في عدد 11 جمادى الآخرة سنة 1357 من جريدة “المصري” على مقال تحت عنوان: “من محام عاقل” تعرض فيه صاحبه لمسألة إسلامية عظيمة الشأن، هي منزلة السياسة من الدين الحنيف، وزعم أن الدين لا صلة له بالسياسة، فقال: “هذا فضلاً عما في هذا من خلط الدين بالسياسة، وقد اتفق الجميع على فصلهما، وقال به كثير من علماء المسلمين القدامى والمحدثين، أقربهم إلينا الشيخ علي عبد الرازق مؤلف كتاب “الإسلام وأصول الحكم”

الذي أوضح فيه أن الخلافة ليست من الدين الإسلامي في شيء، وهو ما قاله ابن خلدون في “مقدمته” من قبل”.
يقول حضرته: إن الجميع اتفقوا على فصل الدين عن السياسة، ولم يبين لنا من هؤلاء الذين اتفقوا جميعاً على فصل الدين عن السياسة، أهم المسلمون، أم غير المسلمين؟ فإن أراد بالمتفقين على الفصل: غيرَ المسلمين، فاتفاقهم ليس بدليل ولا شبه دليل، وأن أراد جماعة المسلمين، فمثل هذا الاتفاق يراعى فيه آراء علماء الإسلام، وعلماء الإسلام مجمعون على أن للشريعة أحكاماً وأصولاً تتعلق بالقضاء والسياسة، يفرض على أولي الأمر تطبيقها وتنفيذها ما استطاعوا.
ثم إن حضرة المحامي بعد أن حكى الاتفاق على فصل الدين عن السياسة، جعله رأي الكثير من علماء المسلمين، فقال: وقال به كثير من علماء المسلمين القدامى والمحدثين.
لندع البحث في رأي الشيخ علي عبد الرازق (2)، ونقول لحضرة المحامي: أن ابن خلدون لم يقل قط بفصل الدين عن السياسة، وهذه “مقدمته” بين أيدينا، فليدلنا حضرته على العبارة التي تصرح أو تلوِّح إلى فصل الدين عن السياسة، بل نرى ابن خلدون يصرح في مقدمته تصريحاً ليس وراءه تصريح: أن السياسة الرشيدة إنما هي السياسة الدينية؛ إذ يقول: “فإذا كانت هذه القوانين مفروضة من الله بشارع يقررها ويشرعها، كانت السياسة دينية نافعة في الحياة الدنيا وفي الآخرة”، ويقول: “مقصود الشارع بالناس صلاح آخرتهم، فوجب بمقتضى الشرائع حمل الكافة على الأحكام الشرعية في أحوال دنياهم وآخرتهم”،

ويقول: “الخلافة حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها؛ إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة، فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا”.
فالحقيقة أن بدعة فصل الدين عن السياسة لم يقل بها ابن خلدون، ولا أحد من العلماء المسلمين، فننصح لحضرة المحامي المسلم أن يصرف نظره عن هذا الرأي الذي نسبه إلى اتفاق المسلمين، أو إلى كثير من علمائهم، وهم بريئون منه، ونذكره بأن هذا الرأي يفضي إلى إسقاط قسم عظيم من حقائق الدين، وهل يرضى حضرة المحامي المسلم أن يؤمن الناس ببعض الكتاب ويكفروا ببعض؟.

__________
(1) مجلة “الهداية الإسلامية” – الجزء الأول من المجلد الحادي عشر. انظر البحث القيم للإمام: “ضلالة فصل الدين عن السياسة” في كتابه “رسائل الإصلاح”.

(2) انظر كتاب الإمام: “نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم” في الرد على علي عبد الرازق.

مقالات مقترحة