قضايا الطفل والمرأة

حقوق المرأة وواجباتها في الإسلام – الدكتورة هند شلبي

حقوق المرأة وواجباتها في الإسلام[1]

الدكتورة هند شلبي

 

لقد كان موضوع المرأة – ولا يزال – الشّغل الشّاغل الّذي أقضّ مضاجع الباحثين والمفكرين. ولقد أسفرت أبحاثهم عن نتائج مختلفة في هذا الشّأن، وربما كانت متضاربة. فنجد المتحمّس لقضية المرأة، ونجد النّاقم عليها، كما نجد الباحث الرّصين الّذي ينظر بمنظار الواقع، فيضع المرأة في الموضع الّذي كتب لها أن تحتلّه في هذا الكون.

وإنّ الإنسان ليتساءل: لم كلّ هذا الاهتمام بالمرأة؟

إنّ الإجابة تفرض نفسها في الواقع. ذلك لأنّ المرأة تمثّل في المجتمع جزءا له تأثيره الكبير، إن لم أقل التّأثير الأوّل في تصميم أمّة معينة.

وقد حرصت المجتمعات – بدائية كانت أو حضاريّة – على توضيح المسالك الّتي ينبغي على الأفراد أن يسلكوها، حرصا على توفير أكبر قسط ممكن من التّوازن الّذي يساعدها على بلوغ السّعادة.

وما دام الإسلام قد جمع بين العقيدة والحكم، فإنّه أسّس له قانونا اجتماعيا، تتمثّل فيه الوجهة العقدية الّتي ربّى عليها أبناءه.

ومن بين ما تعرّض له القانون الإسلامي، ما يتعلّق بالمرأة، من جهة حقوقها وواجباتها التي تساهم بها فيه بناء المجتمع الإنساني.

ونحن في مقالنا لا نجد المجال واسعا لكي نستفرغ الحديث حول هذا المشكل. وإنّ لنا فيما كتب حول المرأة في الإسلام – وخاصة فيما ورد في شأنها من نصوص قرآنيّة وحديثيّة – ما فيه الكفاية، حتى لنلمس – بحق – موقف الإسلام من المرأة؛ فيكون غرضنا إذن في هذه الفقرات: لفت الانتباه فقط إلى الخطوط الرّئيسية الّتي بنى عليها الإسلام أساس وضع الأحكام المتعلّقة بهذا الكائن المشكل.

وإنّه من الصعب – في الحقيقة – بالنّسبة للمرأة أوّلا، مسلمة ثانيا، أن تنهج منهج الموضوعيّة في بحث مثل هذا. ولكن المنجي من الانصياع مع المشاعر الخاصّة يكمن في النّصوص، الّتي يتّحد فيها موقف الباحثين، من كان منهم ذكرا أو أنثى، متحمّسا لقضية المرأة أو مصغّرا من شأنها.

هذه النّصوص القرآنية والحديثيّة تنطق في وضوح بموقف الإسلام من ذلك الكائن، دون احتياج إلى تأويل أو إعمال رأي.

وقد وردت هذه النّصوص لتعيّن ما يتعلق بالمرأة في حياتها الدّينيّة والمدنيّة والمالية.

وقبل استعراض بعض ما ذكر في هذا الشأن، يجدر بنا أن نلفت الأنظار إلى مسألتين بدونهما يفقد كلامنا معناه.

ذلك أنّ الإسلام بنى تعاليمه الآتية على نقطة أساسيّة، تتمثل في مسايرة الطّبيعة فيما قرّره من أحكام، فتوزيع الحقوق والواجبات كان على حسب استعداد الجنسين (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا)[البقرة: 286].

كما أنّه لا يمكن إدراك الحكمة في موقف الإسلام من المرأة، إن وقعت محاولة إدراك منطقية التعاليم المتعلقة بها منفصلة عن بقية الأحكام التشريعية الأخرى.

فإنّ الواجب الأول على الباحث، أن ينظر في تلك الحقوق والواجبات على ضوء ما قرّرته الشريعة في بقية الجوانب، من الأحكام المتعلّقة بخلايا المجتمع الإسلامي وخاصة منها ما يتعلق بحقوق الرّجل وواجباته. لذلك لن نجد مناصا أثناء بحثنا عن حقوق المرأة وواجباتها في الإسلام، من أن نشير إلى الرّجل كذلك.

ولقد ربط الإسلام ما قرّره في هذا الشّأن، بالغاية الّتي يرمي إليها من خلال تأسيسه للمجتمع بصفة عامّة، إذ يريد بناء مجتمع سليم، ولا يتسنّى له ذلك إلاّ إذا كان العمودان اللذان تقوم عليهما الأمّة واعيين، شاعرين بالمهمّة الّتي أنيطت بهما، ولن يتمّ الرّضا إلاّ في كنف حسن توزيع المهام بينهما جميعا. لذلك نلمس من عملية توزيع الحقوق والواجبات اتّجاهين:

فهنالك قسم مشترك بين الرّجل والمرأة؛ لاشتراكهما في الإنسانية.

وهنالك قسم آخر خاصّ بكلّ واحد منهما، تبعا لوظيفته الاجتماعية.

حقوق المرأة وواجباتها الإنسانية في الإسلام

يعتبر الإسلام المرأة إنسانا خلقت كما خلق الرّجل (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)[الحجرات:13]. وما دامت كذلك فإنّها جسم وروح وعقل، تتفاعل مع الوسط الذي تعيش فيه، فتتعرض لمخاطره، وتتأثّر بتقلّباته، وتدرك الجانب المنطقيّ منه.

ومن هنا وجب أن تسلّح المرأة لمجابهة هذا الواقع، وإن لم يتمّ ذلك فإنّها ستضر وتضر، وتجني كامل الأمّة النتائج الوخيمة.

من أجل ذلك أتت التّعاليم الإسلامية تهدي المرأة إلى السّبيل الّذي ينبغي أن تسير عليه.

ـ فكانت أوّلا: التّعاليم المتعلّقة بما ركّب فيها من مادة، فأمرت بأن تلزم العفّة وتبديها، حتى تتقي الشّبهات: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)[النور: 31].

ولم يُعف الرّجل من هذه التعاليم السّامية، فقد ورد قبل هذه الآية مباشرة، قوله تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)[النور: 30].

نقول هذا حتّى لا يتوهّم إنسان بأنّ الإسلام يعتبر المرأة فقط مجبولة على الخطيئة والشّرّ.

ـ ثم كانت التعاليم المتعلقة بالرّوح. فإذا المرأة مدعوّة لتطهير نفسها من أدران المادّة، بسائر العبادات التي خوطب بها الرّجل، من صلاة، وزكاة، وصوم، وحجّ، وأنّها سوف تجازى على امتثالها أو عدم امتثالها لتلك التعاليم. فالقانتات العابدات، وُعِدْنَ النّعيم الأبديّ، والويل والعذاب لمن حادت عن تلك الطريق، يقول الله تعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)[الأحزاب: 35].

كما يقول جلّ ذكره: (وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ)[التوبة: 68].

ـ وأخيرا، هذا الجانب العقلي يشمل المرأة والرجل. فالإسلام يدعوهما إلى التدبّر في الكون، حتّى يكون سلوكهما إنسانيّا بأتمّ معنى الكلمة.

ففرض التّعلم عليهما على السّواء: “طلب العلم فريضة على كلّ مسلم”، وإنّما المعنى بكلمة “مسلم” هنا  كلّ من كانت عقيدته الإسلام ذكرا كان أو أنثى.

لقد سوّى القرآن ـ إذن –  بين الرّجل والمرأة في كثير من الحقوق والواجبات.

وهذه كوكبة أخرى من الآيات تؤيّد ما ذهبنا إليه:

ففي ميدان العقيدة ورد قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)[الممتحنة: 12].

وقد ورد مثيل ذلك في مبايعة الرّجال للرّسول صلّى الله عليه وسلم، حيث يقول تعالى: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)[الفتح: 18].

وفي ميدان الجزاء، انتقينا من بين الآيات قوله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)[النحل: 97].

وفي نطاق إقامة الحدود، ورد قوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[المائدة: 38].

تلك نبذة من الأحكام، ممّا يتعلّق بالقسم المشترك بين الرّجل والمرأة في الإسلام. وإنّه كذلك؛ لأنّه لا علاقة له مباشرة بالوظيفة الاجتماعية الفردية الذّاتية، وإنّما هي حقوق وواجبات على صعيد الإنسانية.

فلأنّ المرأة من فصيلة الإنسان دعيت إلى الإيمان، ولأنّها جسم دعيت إلى تهذيبه، ولأنّها روح دعيت إلى تزكيتها، بنفس الأساليب الّتي دعي بها الرّجل: تكليف، فجزاء، بعد وعد أو وعيد.

الحقوق والواجبات الذّاتية للمرأة في الإسلام

غير أنّ المرأة اختصّت بحقوق وواجبات لم ترد في شأن الرّجل؛ لأنّها بعيدة عن الوظيفة التي أنيطت بعهدته.

وهنا نذكّر بما كنّا قد أسلفناه من كون الإسلام قسم تكاليف الحياة بين الرّجل والمرأة كلّ حسب استطاعته. وخصّ المرأة بالسّهر على ذلك البيت. يقول عليه الصّلاة والسّلام: “ألا كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيته… والمرأة راعية في بيت زوجها وولده، وهي مسؤولة عنهم”[2].

إنّ المرأة أمّ قبل كلّ شيء، وأعني بذلك إنّ علاقتها بأفراد المجتمع علاقة متينة بطبعها، إذ هي على صلة قريبة جدّا منهم.

هي التي حملتهم في أحشائها، وأرضعتهم لبانها، فلا يعقل أن نفصل بينهم وبينها في فترة هم فيها أشدّ ما يكونون في حاجة إلى من يدرّبهم على الحياة. لذلك كانت التربية هي أيضا من نصيب الأمّ.

وقد أشعرنا القرآن بمنزلة الأمّ من الإنسان حين قال: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً)[الأحقاف: 15].

ومن هنا كان للمرأة في بيتها حقوق، كما كانت عليها واجبات. حقوقها في بيتها: أن يتوفّر لها العيش الكريم بمعنى العيش الّذي يكون مواكبا لما كان قد رأيناه في القسم الأوّل من البحث.

ينبغي أن تشعر المرأة بكونها كائنا يؤدّي وظيفته الّتي لا يستطيع أي كان أن يعوّضها فيها. وأوّل ما يشترط حتّى يتحقّق ذلك: حسن المعاملة، وحسن المعاشرة، يقول تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)[النساء: 19]. ويقول كذلك: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)[البقرة: 229].

وقد جعل الإسلام الحياة الزّوجية مبنيّة على المودّة والرّحمة المتبادلة: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم:21].

ولكن، لِمَ نشير إلى هذه النّاحية بالذات؟

السّبب هو أنّ الرّجل الّذي كلّف بالإنفاق على أهله في الإسلام يشعر بالسّيطرة المعنويّة عليهم. ذلك لكونه يحسّ بأنّه لولاه لما عاش أولئك الأفراد، وتأتي التجربة لتؤكّد على ذلك الشعور. لكن لا ينبغي للرّجل أن ينسى أنّه لولا المرأة الصّالحة في البيت لما نما رزقه، ولذهب جهده  أدراج الريّاح.

ويذكّر القرآن بذلك معمّما موقف الرّجل من المرأة وموقفها منه، قائلا: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ)[البقرة: 228].

تلك الدّرجة الّتي بها تميّز الرّجل على المرأة، وهي الإنفاق كما ذهب إليه بعضهم، أو مسؤولية التسيير أو القيادة بوجهة عامة، لا ينبغي عليه أن يطغى بها؛ لأنّه بقدر ما تكون المسؤولية عظيمة تكون القيود عديدة. لذلك تطالبه المرأة بأن ينفق عليها وعلى أبنائها، ويكون إنفاقا بالحسنى يحصل من أجله على الأجر العظيم للمنفق.

وبحكم العلاقة الموجودة بين الأمّ وأفراد أسرتها، فقد دعيت المرأة إلى الانكباب على أفراد تلك الأسرة.

فلا ينبغي أن يكون الغرض من الزّواج التّحلّل من بعض القيود، أو يكون الغرض منه فتح أبواب جديدة كانت مغلقة في وجهها. ويجب أن لا تتدرّع بهذه المهمّة الشاقّة لكي تعبث.

إنّ المرأة في بيتها جندية لا تضع سلاحها. إنّها بالمرصاد لكلّ ما من شأنه أن يعكّر صفو حماها. وهي مدعوّة للسّهر على أهل بيتها في أخلاقهم، وفي صحّة أجسادهم، وفي ثقافتهم، وفي تسيير اقتصادهم. إنّها مدعوّة إلى أن تحافظ على الخليّة الاجتماعية الأولى – أعنى العائلة –  من خطر التميّع، وفساد الانحلال، ولا يتسنّى لها ذلك إلاّ إذا علمت ما تطلبه الشريعة منها، وما تقتضيه أحوال مجتمعها في ذلك الميدان، يقول الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: “تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدّين تربت يداك”[3].

فالفضيلة قوام الأسرة، وقوام الأسرة في ميدان الفضيلة هي الأمّ؛ لأنّها الممارسة لما يدور في البيت، والمطّلعة على خبايا أفراده، ولا تكون الفضيلة كذلك إن لم تكن تسرى مع الإنسان في عروقه ودمه، ولن يجعلها أحد كذلك سوى الأمّ.

وكلمة “الدّين” كلمة جامعة، فكلّ ما يجري على يد الإنسان، من قول وفعل، فللدّين فيه دخل. لذلك لا تستطيع المرأة أن تؤدّي مهمّتها الّتي أنيطت بعهدتها إلاّ إذا علمت أمور دينها واقتنعت بها، ولا تكون فيها تابعة للرّجل، يعلّمها منها ما يوافق هواه، ويترك ما خالفه، فالمسؤولية ملقاة على عاتقها، فعليها أن تحملها من الجذور. وحذق المرأة لمعلوماتها الدّينيّة يخوّل لها فرض نظام على أسرتها لا وجود لخلل فيه.

فالوجهة الأخلاقية تعجّ بها الآيات والأحاديث، والنّاحية الصّحّية تعاليمها مبثوثة في النّصوص كذلك، والوجهة الثّقافية محور أساسيّ ربّى عليه الإسلام بنيه. لذلك من الواجب على المرأة أن تكون متفتّحة على ما يوجد حولها حتّى تكون هي الّتي تلقّنه أبناءه بالكيفيّة الّتي يرتضيها واجبها الدّينيّ.

أمّا الجانب الاقتصادي، وهو من بين الدّعائم الأساسيّة الّتي تقوم عليها الأمم، فقد أكّد عليه الإسلام، وجعل للمرأة فيه الدّور العظيم. لقد بيّن الإسلام بوضح كيفيّة الإنفاق، في قانون عام، فقال تعالى: (وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً)[الإسراء: 29]. كما قال جلّ ذكره: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً)[الإسراء:27].

غير أنّ هذا التّوسّط في الإنفاق يجب أن ينضمّ إليه حسن التّدبير، يقول عليه الصّلاة والسّلام: “خير نساء ركبن الإبل صالحو  نساء قريش، أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده”[4].

فكم من غني تبدّدت ثروته بسبب زوجته؟ وكم من عائل فقير تكوّنت له الثروات بسبب امرأته؟!

إنّ الإسلام دين الفطرة، ودين الطّبيعة، منها انطلق، وعلى قوانينها سار. ولكنّ الطّبيعة سرعان ما سمت فيه عن أصلها لتبعث للوجود كائنات شملهم الوعي، فإذا هم يبصرون بأعين الحقّ، ويعملون جاهدين على الوصول إلى الحقّ.

تعاونوا على البرّ والتّقوى، واستعانوا على ذلك بالمعروف والحسنى، فكان الهدوء وكانت السّكينة، فما أبعدهم عن قيس الحقوق والواجبات بالميزان.

إنّهم تقبّلوا قسمة الإله فيهم راضين، وتشبّثوا بأهدابها، حتى يكونوا أهلا لخلافة الله على الأرض. إنّها قسمة لا حيف فيها ولا شطط، لا إفراط ولا تفريط.

إنّها الحقوق والواجبات، وزّعت أحسن توزيع لتأتي بأكلها تامّا غير منقوص، طاهرا غير دنس.

إنّ التّسوية المطلقة بين الرّجل والمرأة في كلّ الميادين، ربما كانت صالحة على صعيد النّظر، أمّا الطبيعة فإنّها رفضتها إلى حدّ اليوم بشدّة.

فأيّهما أعدل؟ أن نخصّ المرأة بما خصّتها بها الطبيعة، أم أن نحملها أضعاف ما تقدر عليه؟

إليك أيّها القارئ البصير كلّ الإجابة، والله أعلم.

تونس  26/11/1974.

 

[1] ) مجلة الهداية، ج2،عدد2، سنة 74، ص55.

[2] ) رواه الشيخان.

[3] ) رواه الشيخان وغيرهما.

[4] ) رواه الشيخان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى